حرب روسيا وأوكرانيا.. هل تستغلها إيران لبسط نفوذها بالقوقاز؟
مع انشغال روسيا في الحرب بأوكرانيا والتي دخلت شهرها التاسع، تسعى إيران لاستغلال ذلك وبسط نفوذها في منطقة القوقاز.
المحاولات الإيرانية واجهت الكثير من العقبات مؤخرا، خاصة بعدما كشفت آذربيجان النقاب عن توقيف شبكات تجسس إيرانية لديها، كما أعرب خبراء ووسائل إعلام في أذربيجان عن قلقهم إزاء جهود طهران وأرمينيا لتوثيق العلاقات.
تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية بالنسخة الفارسية "بي بي سي"، ألمح إلى تلك الجهود الإيرانية حيث قال :"في هذه المرحلة اتخذت إيران ربما بالتنسيق مع روسيا، إجراءات لمنع الفراغ وسعت لملء هذا الفراغ بكل الصور.
وخلال الشهرين الماضيين، حذرت طهران العديد من الجهات الأجنبية من دخول جنوب القوقاز، ودعمت أرمينيا، وأجرت مناورات عسكرية واسعة النطاق على حدود أذربيجان وأرمينيا، وكثفت الحرب الكلامية مع أذربيجان.
ونظرًا لأن اللاعب الرئيسي الآخر في المنطقة، وهو تركيا، لديه مواقف قوية في جورجيا، وخاصة أذربيجان، فإن إيران لديها أفضل فرصة لإدخال أرمينيا في فلكها.
وأدت جهود طهران الأخيرة للتأثير على سياسات باكو، وخاصة التعاون العسكري الأذربيجاني مع إسرائيل إلى تفاقم التوترات طويلة الأمد بين البلدين.
إيران وروسيا معاً
بعض الخبراء في أذربيجان يرون أن "التعجيل" بفتح القنصلية الإيرانية في كابان بمنطقة سيفنيك الجنوبية بأرمينيا والتدريبات العسكرية، والمحادثات التي أقيمت 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في ضيافة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي، تهدف إلى الضغط على باكو.
ورأى مراقبون أن الاجتماع الثلاثي بين أرمينيا وأذربيجان وروسيا، لم يستطع بوتين إقناع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بالتوقيع على وثيقة لمنح وضعية خاصة لإقليم "ناغورني قره باغ" وتمديد إقامة قوات حفظ السلام الروسية هناك.
وأكد الرئيس الأذربيجاني في تهديد موجه إلى إيران أثناء المناورات العسكرية "لا أحد يستطيع أن يخيفنا"، فيما أعلن التلفزيون أذربيجان أن طهران تجاوزت "الخط الأحمر" من خلال دعم يريفان ومنع اتفاق سلام مع باكو.
وتعليقًا على زيارة رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان إلى طهران فور اجتماع سوتشي، أعلنت بعض وسائل الإعلام الأرمينية أن روسيا وإيران نسقتا جهودهما لمنع تدخل دول ثالثة في تطبيع العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان.
تغيير في السياسة العسكرية لأرمينيا
وبعد خسارة حرب قره باغ الثانية عام 2020، أدركت أرمينيا عدم فعالية الأساليب والمعدات العسكرية القديمة التي تعود إلى الحقبة الروسية السوفيتية، وقالت إنها بدأت عملية الانتقال إلى المعايير الحديثة.
وبالإضافة إلى ذلك، أدت الحرب الروسية في أوكرانيا والمشاكل اللوجستية الناجمة عن الافتقار إلى العلاقات الدبلوماسية بين جورجيا وروسيا إلى الحد بشكل كبير من قدرة موسكو على تزويد يريفان بالسلاح.
وهناك أيضًا دعوات متزايدة في أرمينيا للانسحاب من التحالف العسكري الذي تقوده روسيا، منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) ، وفي هذه الحالة قد توافق الولايات المتحدة على بيع أسلحة إلى أرمينيا، فيما وقعت يريفان عدة عقود مع شركات هندية لشراء أنظمة مدفعية وقاذفات صواريخ وصواريخ مضادة للدبابات وذخيرة.
وفي مايو/ أيار الماضي، وقعت أرمينيا اتفاقيات للتعاون العسكري مع اليونان وقبرص، كما تعمل على زيادة التعاون الدفاعي مع فرنسا، فيما اقترح في سبتمبر/ أيلول الرئيس السابق وزعيم المعارضة الموالي لروسيا روبرت كوتشاريان أن "إيران يمكن أن تكون بديلاً لروسيا في ضمان أمن أرمينيا".
التوترات بين إيران وأذربيجان
وقال أمير عبد اللهيان، إن طهران ستعمل على تعزيز طريق النقل بين الشمال والجنوب الذي يربط الخليج العربي بالبحر الأسود عبر أرمينيا وجورجيا، مضيفاً أن إيران ترحب بإحياء "طرق النقل التقليدية" في المنطقة، لكنها لا تقبل انتهاك سيادة دول المنطقة ووحدة أراضيها.
ومحافظة سيونيك وعاصمتها "كابان" هي المحافظة التي تربط أرمينيا مع إيران، والتي تتوقع جمهورية أذربيجان من خلالها إنشاء طريق سريع وربط سكك حديدية مع منطقة جمهورية نخجوان الذاتية أو ما تعرف بـ" جمهورية ناخيتشيفان".
وبحسب اتفاقية السلام بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان، فإن إعادة فتح هذا الطريق تماشيا مع اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة روسية أنهى حرب كاراباخ عام 2020. وتصر جمهورية أذربيجان على تسمية هذا الطريق بـ "ممر زانغزور".
وهذا الطريق الذي بني في الاتحاد السوفياتي السابق، يربط البر الرئيسي لجمهورية أذربيجان بناختشفان، ويمر على طول الحدود بين أرمينيا وإيران ويمر عبر موغري، وظل مغلقًا منذ بداية الصراع بين أرمينيا وأذربيجان في أوائل التسعينيات.
وتصر يريفان على أنها يجب أن تحتفظ بالسيادة على الطريق، بينما تسعى باكو للحصول على وضع خارج إقليمها، يعادل ممرًا مشابهًا لممر لاتشين الخاضع للسيطرة الروسية والذي يربط أرمينيا بناغورنو كاراباخ.
وفي غضون ذلك، اتفقت إيران وأذربيجان في مارس/ آذار الماضي على إقامة علاقة مماثلة بين أذربيجان الغربية وناختشيفان عبر إيران.
وأوضح المحلل فرهاد محمدوف أن طهران تعارض فتح حدود جمهورية أذربيجان وأرمينيا وتركيا لأن ذلك قد يؤدي إلى زيادة نفوذ تركيا في المنطقة وتهميش إيران.
وجهة نظر إيران
من جهتها، تعتبر إيران "ممر زنغزور" بمثابة توسع نفوذ إسرائيل وحلف الناتو نحو حدودها، فضلاً عن قطع ارتباطها بأرمينيا، مما يعني فقدان سهولة الوصول إلى هذه المنطقة ومواجهة جمهورية أذربيجان التي تمتلك علاقاتها عسكرية مع إسرائيل.
وتصر باكو على أن الصداقة بين إسرائيل وأذربيجان لا تستهدف أي طرف ثالث، لكن طهران تشعر بالتهديد من أي نشاط إسرائيلي في جوارها وتشعر بالقلق من احتمال استخدام إسرائيل لأراضي أذربيجان لأغراض التجسس وتنفيذ عمليات نوعية ضد إيران.
وتصريحات وزير الخارجية أمير عبد اللهيان بأن إيران لن تتسامح مع "نظام صهيوني" بالقرب من حدودها و "أي تغيير في حدود المنطقة وجغرافيتها السياسية" تشير إلى هذه المخاوف.
وتسمي إيران الممر الذي تقصده جمهورية أذربيجان "ممر توران للناتو" الذي صممته الولايات المتحدة وإنجلترا وإسرائيل، والذي سينقل قوات الناتو إلى الحدود الشمالية لإيران وسيكون له عواقب جيوسياسية كبيرة على إيران وروسيا والصين.
وكتبت صحيفة "شرق" الإيرانية الإصلاحية مؤخرًا أن افتتاح القنصلية الإيرانية العامة في منطقة سيفنيك الأرمينية كان يهدف إلى منع "الاستيلاء على سيفنيك وقطع اتصال إيران البري بروسيا والبحر الأسود وأوروبا، وهو ما يتم عبر أرمينيا".
حرب بين إيران وأذربيجان
وسط هذه التوترات، تحدث الرئيس وأعضاء البرلمان ووسائل الإعلام الحكومية في أذربيجان على نطاق واسع عن حقوق الأذريين في إيران، بل إن بعضهم أحيا الخطاب القديم حول توحيد جمهورية أذربيجان مع أذربيجان إيران.
وأثارت باكو هذه القضية في الماضي عندما شعرت بالتهديد من قبل طهران، لكنها رفضت القيام بذلك منذ سنوات، وأدت التوترات الأخيرة في العلاقات بين إيران وجمهورية أذربيجان إلى مناقشات مستفيضة في وسائل الإعلام لجمهورية أذربيجان حول إمكانية نشوب حرب بين إيران وجمهورية أذربيجان.
لكن الخبراء المحليين ذكروا الأسباب التي قد تردع إيران - التحالف العسكري لأذربيجان مع تركيا وباكستان، وشراكات عسكرية قوية في مجال الطاقة مع الغرب، وعدد سكان أذربيجان الكبير، وهو أكبر بكثير من إجمالي سكان أذربيجان في إيران.
ويعتقد بعض المعلقين أيضًا أن إسرائيل، التي قدمت دعمًا عسكريًا لجمهورية أذربيجان في حرب قرة باغ عام 2020، يمكنها الانضمام إلى التحالف المناهض لإيران في حالة نشوب حرب.
وفي غضون ذلك، قال الخبير السياسي الأرميني بنجامين بوغوسيان إن على أرمينيا وجمهورية أذربيجان اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتجنب الوقوع في مواجهة بين روسيا والغرب أو المواجهة الأمريكية الإيرانية.
وقال إن "الحرب الدائرة في أوكرانيا أثبتت أن هذا السيناريو يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على كلا البلدين".
مستشار خامنئي يعلق
ومع تصاعد الخطاب التحريضي الإيراني في وسائل الإعلام ضد أذربيجان، نفى علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي للشؤون الدولية، وجود رغبة لدى إيران بمهاجمة جارتها آذربيجان بعد تصاعد التوتر بين البلدين في الآونة الأخيرة.
وقال ولايتي في مقابلة مع وكالة أنباء "تسنيم" الإيرانية، "أشاع البعض أن إيران تريد الحرب مع أذربيجان، وهذا هو أبشع افتراء ضد إيران".
وبين "ليس لدى إيران خطط لمهاجمة أي دولة مجاورة، سواء في القوقاز أو في أي مكان آخر، وخاصة جيرانها، لا سيما الأشخاص من نفس الجنس والعرق واللغة والدين والتقاليد والتاريخ".
ولطالما اتهمت إيران، موطن ملايين الأذربيجانيين، جارتها الشمالية الأصغر بتأجيج المشاعر الانفصالية على أراضيها.
وفي سياق متصل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني خلال مؤتمر صحفي الأسبوعي، الإثنين، نصيحتنا للسلطات الأذربيجانية كانت دائماً التركيز على القضايا المشتركة وعدم الحديث عن الخلافات في الرأي في وسائل الإعلام".
وأضاف كنعاني خلال المؤتمر الذي تابعته مراسلة "العين الإخبارية"، "سياستنا في مجال التفاعل مع جيراننا بما في ذلك أذربيجان الاحترام المتبادل وتطوير العلاقات، ونرحب بأي تطورات إيجابية في العلاقات الثنائية".
aXA6IDMuMTUuMjExLjQxIA==
جزيرة ام اند امز