36 ساعة اعتكاف.. صابئة العراق يحتفلون بعيد "الكرصة" الكبير
يحيي أتباع الطائفة الصابئة في العراق عيد "الكرصة" أو ما يعرف بـ"دهوا ربا"، وهو مناسبة لانتصار الخير والحق على الشر، وفق معتقد المندائيين.
وللصابئة 4 أعياد رئيسية ومناسبات عدة أخرى، الأول هو عيد الخليقة "البرونايا" وفيه خلق الخالق عوالم النور العليا، ويستمر لمدة 5 أيام.
والثاني هو عيد "التعميد الذهبي" في ذكرى الولادة الروحية لنبيهم يحيى بن زكريا، بالإضافة إلى العيد الكبير الذي يأتي في يوليو/تموز ويستمر 7 أيام، وهو بداية الخلق، وفيه بدأت الدقائق والساعات والأيام.
والأخير هو "عيد الازدهار" وهو العيد الصغير، وفيه قام الحي العظيم بخلق الأزهار والأثمار والطيور والحيوانات، وبالإضافة إلى هذا خلق آدم وحواء، وهذا العيد يعتبر بداية نشوء الخلق، وفقا لمعتقد الصابئة.
ويعد التعميد من أهم ركائز الديانة المندائية، ويشتمل هذا الطقس على نزول الشخص للماء الجاري، برفقة رجل دين، وقراءة آيات من كتاب "الكنزا ربا" المقدّس لديهم، ويتم ذلك بملابس بيضاء خاصة تسمى "الرستة"، وهذا الزي الخاص بالتعميد، يرتديه النساء والرجال والأطفال.
ويعتبر التعميد في الديانة الصابئة تطهيراً للجسد والروح من جميع الخطايا والذنوب، وعلى كل صابئي أن يتعمد بعد ولادته بسنوات قليلة، وأيضاً عند الزواج وبعد أن يرزق بأطفال، ومن شروط التعميد أن يقام في نهر أو بحيرة، أي داخل ماء جار وليس ساكناً، وهذا ما دفع أبناء الديانة إلى التمركز منذ نشوء دينهم قرب الأنهار والأهوار في جنوب العراق، وذلك لارتباط طقوسهم بالماء، سواء التعميد أو الصلاة أو الزواج.
وتتجه غالبية العوائل المندائية إلى التعميد رجالاً ونساءً وأطفالاً، مع توزيع الوجبات الغذائية "ثواب" وإهدائها إلى أرواح الموتى، نظراً إلى أن التعميد فرض في الديانة المندائية على كل إنسان منذ ولادته.
رئيس ديانة الصابئة المندائيين في العراق والعالم، الشيخ ستار جبار الحلو، يقول لـ"العين الإخبارية" إن "عيد الكرصة هو العيد الأكبر ويتضمن التعميد في المياه وطلب الغفران للمتوفين، وأيضاً الاعتكاف في المنازل لمدة 36 ساعة وعدم مغادرتها مطلقاً، وتسمى هذه المناسبة بالآرامية (كنش وزهل) ومعناها: نظف واختبئ".
ويوضح أن "مراسيم التعميد تبدأ صباحاً من اليوم الأول إلى الساعة 12 ظهراً، وبعدها تجهز العوائل المحتفلة الأغذية والمستلزمات الضرورية لأنها بعد ذلك تلزم منازلها لمدة 36 ساعة من السادسة مساء حتى السادسة من صباح اليوم الثالث".
ويضيف أنه "وبعد انتهاء الـ36 ساعة، يخرج الناس من منازلهم في العيد، ويبدأون بالتزاور وتبادل التهاني وكذلك ذبح الذبائح وإقامة الولائم، وهذه طقوس ثابتة وتجري مزاولتها كل عام".
وبحسب معتقداتهم، يرى الصابئة أنهم جذر التوحيد الأول، ويعتبرون أن سيدنا آدم هو النبي الأول لهم، وبعده ابنه النبي شيت، إذ إنه يحظى بمكانة كبيرة بين أبناء الطائفة، وذلك لاعتقادهم بأن النفس المتوفاة بأمر الله تقاس بمقياس نبل نفس وروح شيت، فمن حمل روحه الخلاقة دخل الجنة، ومن كانت نفسه أقل خلقاً منه فإنه سيبدأ حينها الحساب.
والنبي يحيى بن زكريا -وهو آخر أنبياء الصابئة- استخدم التعميد لطهارة النفس وترسيخ المفاهيم المندائية، ومنه اشتقت "راية الدرفش" والعلامة الخاصة بهم، والتي تعتبر الرمز الأساسي لهم مع اللباس الأبيض كلياً.
ويتّبع المندائيون كتاب "كنزا ربا" أو الكنز الكبير، والذي يحوي صحف آدم الأولى وتعاليمه باللغة الآرامية الشرقية التي تعتبر لغة الصابئة، ويحوي الكتاب جزأين، الأول خاص بالأمور الدنيوية من وصايا وحكم ومفاهيم، والجزء الثاني خاص بالنفس بعد وفاتها ورحلتها من الجسد الفاني إلى أصلها، وهو عالم النور.
ويعد جنوب العراق موطناً للصابئة منذ آلاف السنين، إذ تمركزوا قرب الأنهار والأهوار، لارتباط طقوسهم الدينية بالماء، لكن اليوم يندر وجودهم هناك بعد هجرة أغلبهم موطنهم الأصلي، والاستقرار في بلدان اللجوء أو مناطق أكثر أمناً في إقليم كردستان.
وواجه أبناء الديانة في العراق بعد 2003، الكثير من التحديات التي هددت بقاءهم كأحد أبرز الأقليات الدينية في بلاد الرافدين، بينها القتل والسلب، لكونهم يعملون في صياغة الذهب، ما عرضهم إلى السرقة والاختطاف بشكل مباشر ومستمر، وهذا الأمر أدى إلى هجرة شبه جماعية باتجاه الغرب.