تصريحات رئيس تونس حول ليبيا.. زيت يشعل نار الخلافات مع الغنوشي
خطاب سعيد كان واضحا في التعبير عن الموقف الرسمي التونسي، وإحراج تحركات راشد الغنوشي الداعمة بشكل علني لحكومة السراج
لاتزال الأزمة الليبية تلقي بظلالها بشكل عنيف على الساحة السياسية في تونس، وخاصة على العلاقة القائمة بين رئيس الدولة قيس سعيد، وزعيم حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي.
ولم تكن تصريحات سعيد يوم أمس خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، بقصر الإليزيه في باريس سوى قطرة زيت إضافية في نار الخلافات المشتعلة بين رئاسة الجمهورية والغنوشي الذي يرأس أيضا البرلمان.
وقال الرئيس التونسي، في كلمته، إن بلاده لن تقبل بتقسيم ليبيا ولابد من وقف إطلاق النار بشكل فوري وإنهاء التدخلات الأجنبية، وهو ما يختلف مع موقف إخوان تونس الداعمين لنقل آلاف المرتزقة الدواعش من سوريا إلى تلك البلد.
وأضاف أن شرعية حكومة فايز السراج في ليبيا (حكومة الوفاق) هي "شرعية مؤقتة، ويجب المرور إلى وضع أكثر أمنا".
وأشار إلى أنه التقى ممثلين عن عدد من القبائل الليبية واقترح إعداد دستور جديد، ملوحا بشكل ضمني إلى خطورة التواجد العسكري التركي وما يمثله من خطر إقليمي.
جيوش إلكترونية إخوانية
هذا الموقف الناقد لحكومة السراج جعل من قيس سعيد عرضة لحملة جديدة من التشويهات الإخوانية والتحريض ضده على شبكات التواصل الاجتماعي، في محاولة يراها مراقبون تهدف إلى التقليل من دوره وصورته.
وإثر تلك الكلمة، أطلقت حركة النهضة جيوشها الإلكترونية في حملة اعتبرت أن "بروتوكول" الاستقبال لسعيد إهانة للدولة التونسية، ووصفت أيضًا أداءه الخطابي بأنه كان هزيلا.
كما أطلق في المقابل أنصار قيس سعيد حملة مضادة، تعتبر هذه الانتقادات الإخوانية، نتيجة لموقف سعيد من الأزمة الليبية، ودعوته إلى عدم احتكار حكومة السراج للشرعية داخلها.
إحراج الغنوشي
الكاتب السياسي التونسي، بسام حمدي، قال إن قرار سعيد النأي بالنفس عن الصراعات الدائرة في ليبيا جنب نسبيا بلاده من المخططات التي تريد حركة النهضة تمريرها، وهي مخططات المحور القطري التركي الداعم للميليشيات الإرهابية.
وأوضح حمدي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن خطاب سعيد كان واضحا في التعبير عن الموقف الرسمي التونسي، وإحراج تحركات راشد الغنوشي الداعمة بشكل علني لحكومة السراج المنتهية شرعيتها على الميدان.
وتوقع أن تزيد هذه المواقف المتضاربة من حدة الخلافات بين رئيس الدولة ورئيس البرلمان، خاصة مع سرعة تطور الأحداث داخل ليبيا وتغير الموازين الاستراتيجية في المنطقة.
وتتزامن زيارة سعيد إلى باريس مع تصاعد انتقادات الرئيس الفرنسي للتحركات التركية في منطقة حوض المتوسط وللدور الخطير الذي تلعبه أنقرة في ليبيا.
وتشهد العلاقات بين تركيا وفرنسا توترا بالفعل بسبب عدد من القضايا تتراوح من سوريا إلى التنقيب عن النفط في شرق البحر المتوسط.
وسبق للرئيس الفرنسي أن أعرب عن أسفه لصمت حلف شمال الأطلسي "الناتو" الذي يضم أنقرة، عن الهجمات العسكرية التركية على الجماعات الكردية المسلحة في سوريا، حليفة القوى الغربية في مكافحة الجماعات الإرهابية في سوريا.
خفض التوتر
ويرى العديد من المحللين أنه من بين الأبعاد التي تحملها زيارة قيس سعيد إلى فرنسا هو أيضًا خفض التوتر الذي حصل بين البلدين في الفترة الأخيرة على إثر اللائحة البرلمانية التي طرحتها كتلة "ائتلاف الكرامة " الإخوانية والتي تضمنت إساءة لفرنسا.
مصادر مطلعة قالت لـ"العين الإخبارية" إن اللقاء الثنائي الذي جمع سعيد بماكرون وقع فيه تطارح قضية التطرف الخطابي لبعض القوى الإسلامية في تونس، والمضامين العنيفة تجاه الدولة الفرنسية من قبل بعض الكتل البرلمانية.
ورغم سقوط هذه اللائحة التي كانت في عنوانها طلبا لاعتذار فرنسا على حقبتها الاستعمارية في تونس (1956-1881)، إلا أن كواليس المشهد السياسي في تونس تثبت وجود علاقة عدائية بين إخوان تونس وفرنسا، خدمة للأجندات التركية.
وضمن هذا الإطار، حملت زيارة سعيد فرصة جديدة لتصحيح المسارات الدبلوماسية بين البلدين حسب العديد من المتابعين، خاصة وأن علاقة زعيم إخوان تونس راشد الغنوشي برئيس الدولة ليست في أحسن حالاتها وتسيطر عليها حربًا باردة منذ مطلع العام الجاري.
ورغم الطابع الروتيني السابق لزيارات قادة تونس عبر تاريخها الحديث إلى فرنسا، إلا أن هذه المرة ستحمل فصلا آخر من الصراع بين الغنوشي وسعيد، والتي وصلت فيه حده الخلافات إلى شبه قطيعة تامة
وكان الرئيس التونسي قد وجه رسالة للغنوشي في خطابه ليلة عيد الفطر قائلا فيها "إن تونس لها رئيس واحد "وهو الذي يملك حق التخاطب باسمها في الخارج وفق دستور 2014.
ومخاطبا الغنوشي ضمنيا، قال الرئيس التونسي إن "هناك من يريد العيش في الفوضى.. فوضى الشارع والمفاهيم ولكن للدولة مؤسساتها وقوانينها وهي ليست صفقات تبرم في الصباح والمساء".
جاءت تلك الرسالة تعقيبا على إجراء الغنوشي مكاملة هاتفية حينها مع السراج لتهنئته على ما اعتبره نصرا على الجيش الوطني عندما استولى على قاعدة الوطية العسكرية.
وفجرت تلك المكالمة موجة غضب واسعة ضد الغنوشي ومثل على أثرها للمساءلة أمام البرلمان حول أسرار علاقته بالتنظيم الدولي للإخوان وتحركاته المشبوهة في محيط الجماعات المسلحة الناشطة في ليبيا والمدعومة تركيا وقطريا.
وما بين السخط الشعبي والتحركات المشبوهة والخلافات الداخلية والاتهامات التي تلاحقه بالخلط بين صفته كرئيس للبرلمان ورئيس لحركة النهضة، تستعر النيران بمحيط الرجل من كل جانب، في نقطة يلتقي فيها ضده خصومه وحلفاؤه معا.