تضارب الرؤى حول ليبيا يعمق صراع قيس سعيد والغنوشي
الرئيس التونسي يؤكد ضرورة الالتزام بالحياد تجاه الأزمة، وزعيم "النهضة" الإخوانية يغرق بلاده في مستنقع دعم المليشيات
لا تخلو علاقة الرئيس التونسي قيس سعيد بزعيم الإخوان راشد الغنوشي من صراعات مبطنة وتجاذبات عميقة واختلافات جوهرية، وصفها العديد من الخبراء بـ"الحرب الباردة بين أجنحة السلطة" بشأن عدة قضايا آخرها ليبيا.
الخلافات التي كانت شرارتها منذ صدور نتائج الانتخابات في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حسب العديد من المراقبين، تعود فصولها إلى رغبة الإخوان الجامحة في توجيه بوصلة "الرئيس"، وجعله أحد "بيادق" الإخوان مثلما كان الحال مع الرئيس الأسبق منصف المرزوقي.
وتستعمل الجماعة الإرهابية لذلك مختلف وسائل التنظيم كالضغط المباشر والتشويه الافتراضي ومحاولات التأثير الخارجي عبر عناوين الإخوان في المنطقة (الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتميم بن حمد أمير قطر).
ولاحت تجليات هذا الصراع أكثر من خلال تباين المواقف بين رأسي السلطة في تونس حول تداعيات الأزمة الليبية بين رئيس يؤكد ضرورة الالتزام بالحياد الموضوعي تجاه الأزمة، وشيخ إخواني يبحث عن إغراق الدبلوماسية التونسية في مستنقع دعم المليشيات المسلحة.
هذا المعطى دفع وجوها سياسية متقدمة في تونس إلى تنبيه رئيس الدولة إلى مخاطر الاستراتيجيات التي ترسمها حركة النهضة في ليبيا، وإلى مساعيها الجادة في الإيقاع بالبلاد في موقف داعم للمليشيات الإرهابية.
وأطلق النائب عن حركة "تحيا تونس" مبروك كورشيد، الخميس، صيحة فزع برلمانية، محذرا وزير الخارجية التونسي نور الدين الري من الانخراط في الدعم المعنوي لمليشيات حكومة فايز السراج غير الدستورية.
وحذر كورشيد الرئاسة التونسية من مغبة التورط في المؤامرة التركية في ليبيا، معتبرا أن "أنقرة هي مصدر الخراب وتأزيم الأوضاع في ليبيا والشرق الأوسط".
واتهم في كلمته داخل مجلس نواب الشعب النظام التركي بإرسال المرتزقة المسلحين لإراقة الدماء الليبية وتغذية الحرب الأهلية في المنطقة العربية إجمالا.
ووصف حكومة فايز السراج بالحكومة الفاقدة للشرعية، فهي حكومة تضم "مليشيات مسلحة وإرهابية"، على حد تقديره، داعيا الدبلوماسية التونسية إلى التعامل بعقلانية مع تطورات الوضع الليبي وعدم الانجرار وراء المؤامرة التركية.
في المقابل، ظل موقف قيس سعيد، الذي عبر عنه في تصريحات سابقة، يتلخص في ضرورة أن يكون الحل ليبيا ليبيا.
هذا الإقرار أغضب الأذرع الإخوانية في تونس وزعيمهم راشد الغنوشي، الداعمين للتدخل التركي في النزاع المسلح الليبي لمناصرة خلايا الإرهاب المنتشرة في محيط العاصمة طرابلس.
ويؤكد ضرار الفريضي، القيادي بالتيار القومي، أن "حركة النهضة (بمعية الرئيس التركي) تخطط لمحاصرة الرئيس التونسي قيس سعيد وتقزيم دوره الدبلوماسي وممارسة كل أنواع الضغوط لجعل تونس قاعدة خلفية لمليشيات فايز السراج".
وأشار، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى أن "الزيارة الأخيرة لأردوغان إلى تونس كان الهدف منها مساومة الموقف التونسي بمساعدات عسكرية، إلا أن رفض قيس سعيد لطلبات المساومة عمق الصراع بين الإخوان وقصر الرئاسة".
ولفت إلى أن "صفحات فيسبوك التابعة لحركة النهضة تغالي في تشويه رئيس الدولة وفي ضرب مكانته الرمزية والاعتبارية"، خاصة بعد تصريح وزير دفاعه عماد الحزقي لأنصار السراج "بالمليشيات".
وكان وزير الدفاع التونسي قد وصف قوات السراج التي تسيطر على العاصمة طرابلس بـ"المليشيات"، في كلمة له أمام البرلمان الذي يترأسه الغنوشي.
واعتبر أنه "مسعى إخواني لإضعاف الرئيس وبالتالي الاستفراد بالمشهد السياسي محليا، وخلق تماهٍ كامل بين مواقف الإخوان وموقف الدولة التونسية".
ولا يستبعد الفريضي أن تكون حملات التشويه التي يتعرض لها قيس سعيد من نتاج الجهاز السري لإخوان تونس، الهدف منها أيضا تقزيم دور الرئاسة خاصة بعد ارتفاع نسبة الرضا الشعبي عن أداء قيس سعيد بـ61% من التونسيين في آخر استطلاع للرأي أنجزته شركة "سيغما كونساي" الخاصة.
ويؤكد العديد من المراقبين أن الصراع السياسي بين قيس سعيد وراشد الغنوشي لا يبتعد عن الصراع الأبدي بين الدولة والجماعة منذ عشرينيات القرن الماضي.
ويرى الباحث في علم الاجتماع السياسي جهاد العيدودي أن "الجينات السياسية لإخوان تونس هي جينات مليشياوية لا تجد تجانسها وتفاعلها إلا مع التنظيمات السرية والإرهابية"، على حد تعبيره.
وأكد أن حركة النهضة تريد القفز على الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية (الدبلوماسية والدفاع) لتوظيف طاقات الدولة من مطارات وموانئ وممرات برية لتقديم الدعم اللوجستي المطلوب للعناصر الإرهابية الليبية.
واعتبر العيدودي أن "المطلب التركي لجعل تونس قاعدة لوجستية للإرهاب الليبي يجد رفضا حادا من رئيس الدولة، مما ينبئ بتطور الصراع الثنائي بين الغنوشي وقيس سعيد في مستقبل الأيام".
وتنخرط تركيا منذ سنوات في دعم المليشيات الإرهابية في طرابلس، لكن هذا الدعم خرج للعلن نهاية العام الماضي بعد توقيع أردوغان والسراج مذكرتي تفاهم أمنية وبحرية أثارت استياء دوليا.
aXA6IDMuMTQ1LjkzLjIyNyA= جزيرة ام اند امز