قيس سعيد والغنوشي.. "تراشقات" بالوكالة تنذر بحرب باردة في تونس
مجلس شورى الإخوان صنف سعيد ضمن الخصوم الذين يجب تقزيمهم سياسيا والغنوشي دعا إلى تكثيف حملات التشويه ضده على صفحات التواصل الاجتماعي.
"ليست على ما يرام"، هو العنوان الذي أجمع عليه العديد من المتابعين في وصفهم لعلاقة زعيم حركة النهضة الإخوانية ورئيس البرلمان راشد الغنوشي والرئيس التونسي قيس سعيد خلال الفترة الأخيرة.
وأصبحت العلاقة، التي كانت هادئة في بداية العهدة الرئاسية، يحوم حولها تنافس على احتكار المشهد وتداخل في الصلاحيات ومناوشات متعددة أفضت إلى ما يشبه الحرب الإعلامية التي يزداد أوارها كلما اقتربت نهاية مهلة رئيس الوزراء المكلف إلياس الفخفاخ لتشكيل حكومته.
ولوح قيس سعيد، في خطابه بمناسبة المائة يوم الأولى لرئاسته الجمهورية، بوجود مؤامرات تحاك ضده وأطراف تعمل على عرقلته، وهي رسائل فسرها مناصروه بأن زعيم الإخوان هو المقصود بها.
فقد وصف رضا شهاب المكي، وهو الصديق الشخصي وقائد حملة قيس سعيد الرئاسية، راشد الغنوشي بـ"الماسوني والمنافق والمخاتل"، ناشرا نصا على صفحته الرسمية بشبكة التواصل الاجتماعي يتوعد فيه الغنوشي بتحركات شعبية ضد سياسات الفشل الاقتصادي والاجتماعي للحكومات الإخوانية.
واتهم رضا المكي المعروف بقربه السياسي من قيس سعيد، حركة النهضة ومناصريها بعرقلة مسار الإصلاح في تونس من خلال التشبث بالنظام البرلماني، داعيا إلى تغيير نظام الحكم إلى نظام "لا مركزي" تكون فيه المجالس الجهوية هي صاحبة السيادة والقرار.
وجاء رد القيادي الإخواني أبو يعرب المرزوقي هو نائب الإخوان في برلمان 2012 على درجة من الحدة تجاه الرئيس التونسي قيس سعيد، حيث اتهمه بالعمالة إلى أنظمة أجنبية وأنه "دمية إيرانية".
العديد من الخبراء يرى أن منسوب الصراع المتدرج بين الغنوشي وقيس سعيد خلق معسكرين في تونس يتقاذفان السباب والشتم في المنابر الافتراضية والواقعية، وهو أمر يهدد بنية السلطة وتوازنات الحكم على حد رأيهم.
وحول الأبعاد الخلفية لهذا الصراع يعتبر المؤرخ والباحث في العلوم السياسية ماهر عبيد أنها نتيجة حرب مواقع بين رئيس البرلمان ورئاسة الجمهورية على اقتسام السلطة في ظل تداخل الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث (رئيس الحكومة والبرلمان والجمهورية) التي أفرزها الدستور التونسي لسنة 2014.
وقال عبيد في حديثه لـ"العين الإخبارية" إن المعارك الكلامية التي يخوضها أنصار "المعسكرين" هي حروب "بالوكالة"، يستخدم فيها كل طرف أدواته السياسية والإعلامية للاستحواذ على مداخل السلطة التونسية والتحكم في القرار الوطني.
واعتبر أن نسق تطور الأزمة بين الرجلين قد يأخذ اتجاهات خطيرة في مسار توزيع الحقائب الوزارية في حكومة إلياس الفخفاخ.
بدورها، أبلغت مصادر مطلعة "العين الإخبارية" أن مجلس شورى الإخوان صنف قيس سعيد ضمن الخصوم الذين يجب تقزيمهم سياسيا، وأن راشد الغنوشي دعا في اجتماعات داخلية لحزبه إلى ضرورة تكثيف حملات التشويه ضد الرئيس سعيد على صفحات التواصل الاجتماعي.
وأوضحت المصادر ذاتها أن خطة تشويه قيس سعيد تقوم على تكثيف النقد حول أدائه في رئاسة الجمهورية والتركيز على ضعفه الدبلوماسي وغيابه عن المؤتمرات الخارجية على غرار منتدى دافوس والقمة الأفريقية.
وتتعاظم المخاوف لدى العديد من الأحزاب السياسية بأن يكون هذا الصراع مدفوعا من قوى إقليمية على غرار تركيا بعد رفض قيس سعيد المطالب التي طرحها أردوغان خلال زيارته تونس.
وكانت قد أفادت مصادر أمنية مطلعة، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، بأن الزيارة كان هدفها تطويع القرار التونسي لتسهيل مرور الأسلحة التركية إلى المليشيات في ليبيا، خصوصا أن وحدات الأمن تمكنت في بداية شهر يناير/كانون الثاني من حجز أسلحة وذخائر تركية الصنع كانت متوجهة إلى طرابلس.
وتابعت: "قد تكون الأدوات الإخوانية في تونس تلقت تعليماتها من تركيا لعزل قيس سعيد وإضعاف سلطته لجعل تونس ممرا إقليميا للإرهابيين القادمين من إدلب السورية إلى طرابلس الليبية".
وقام قيس سعيد بتغيير مدير ديوانه المقرب من الإخوان عبدالرؤوف بالطبيب خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يعتبره مراقبون محاولة من الرئاسة التونسية تحصين قصر قرطاج ضد الاختراقات الإخوانية، كما حدث في عهد الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي.
هي نيران صامتة على مستوى رأسي السلطة، ولكنها تأخذ أشكالا عنيفة على مستوى القواعد الانتخابية لكل من قيس سعيد وراشد الغنوشي تنبئ بعهدة انتخابية ساخنة في تونس.