5 تنظيمات إرهابية.. خارطة الدم في الساحل الأفريقي
تداهم أفريقيا عبر تاريخها ويلات الفقر والاستعمار والاستبداد والأوبئة، ومن رحم تلك الأزمات ولد ذلك المسخ الذي يقتات على الفوضى.
موقع استراتيجي وثروات هائلة وصراع مستعر، جدلية تفرز معالم واقع القارة السمراء، وتقودها لأحد أكثر أشكال أزماتها عمقا؛ ظاهرة الإرهاب الذي بات ينخر جسد القارة ويبدد آمال تحسين فرص حياة سكانها، خاصة في دول الساحل.
الإرهاب الذي يتمدد أفقيا ورأسيا في القارة، يجد نقطة ارتكازه في دول الساحل في غرب أفريقيا، ما أثار استغراب الخبراء الأمنيين وحتى الدراسات والتقارير الأمنية، فما السر الغامض وراء تحول المنطقة إلى أكبر منطقة جذب للإرهاب بمختلف تنظيماته وفروعه المتداخلة بعضها بتحالفات ظرفية، أو المتقاتلة، أو التي تفرخت "عن التنظيم الأم".
- الإرهاب بأفريقيا.. 13 تنظيما في 13 بلدا على رأسها داعش
- مالام باكو.. جيش نيجيريا يقطف ثاني رؤوس داعش في شهر
ووسط كل ذلك، تتزايد الهجمات الإرهابية بشكل متصاعد من سنة لأخرى في منطقة الساحل الأفريقي، مستفيدة من ضعف جيوش المنطقة، والتضاريس والأدغال الوعرة، وغياب مقاربات موحدة لمجابهة الظاهرة.
10 فروع إرهابية
وما يؤكد أن منطقة الساحل الأفريقي أكبر منطقة حذب للجماعات الإرهابية في العالم هو عدد الفروع الإرهابية التابعة للتنظيمات المعروفة وهي؛ "داعش" و"القاعدة" و"بوكو حرام"، وبينها التي تمثل "شراكة إرهابية" بين بعض هذه التنظيمات.
وعبر 6 دول من الساحل هي: مالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا والكاميرون وتشاد تتوزع 10 فروع إرهابية، والتي تصدرت بها القارة من حيث عدد التنظيمات الإرهابية والجماعات المتفرعة عنها قائمة قارات العالم..
ويتعلق الأمر بـ"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، و"أنصار الدين"، و"جبهة تحرير ماسينا"، و"المرابطون"، و"إمارة الصحراء" التابعة لما يسمى بـ"تنظيم القاعدة ببلاد المغرب".
بالإضافة إلى تنظيمين إرهابيين آخرين تقول الدراسة إنهما من أكبر التنظيمات الإرهابية بالساحل، وهما: "أنصار الإسلام" و"تنظيم داعش في الصحراء الكبرى".
وبمنطقة البحيرات الكبرى المحاذية والمتداخلة مع منطقة الساحل تنشط 3 تنظيمات إرهابية، وهي "بوكو حرام"، و"تنظيم داعش - ولاية غرب أفريقيا"، و"تنظيم الأنصار".
وفي هذا التقرير، تستعرض "العين الإخبارية" أكبر وأخطر 5 تنظيمات إرهابية تنشط بمنطقة الساحل الأفريقي.
القاعدة في بلاد المغرب
من أقدم التنظيمات الإرهابية في أفريقيا كونها امتدادا "للجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائرية التي نفذت عدة مجازر بشعة في الجزائر ضد المدنيين خلال ما كان يعرف بـ"العشرية السوداء".
وفي 24 يناير/كانون الثاني 2007، أعلن زعيم التنظيم الإرهابي عبد المالك درودكال المكنى "أبومصعب عبد الودود" مبايعته لتنظيم القاعدة، وتغيير اسم التنظيم إلى "القاعدة في بلاد المغرب"، ويعرف بأنه "خبير في صناعة المتفجرات".
ويرفع التنظيم الإرهابي هدف "تحرير المغرب العربي من الوجود الغربي خاصة الفرنسي والأمريكي، المزعوم وإسقاط أنظمة الدول المغاربية، وحماية المنطقة من الأطماع الخارجية، وتطبيق الشريعة"، بينما يجهل عدد عناصر التنظيم الإرهابي.
وفي عام 2007 أدرج مجلس الأمن الدولي زعيم التنظيم على قوائم الإرهاب، بينما قضت محكمة جزائرية في مارس/آذار 2017 بإعدامه غيابياً على الجرائم التي ارتكبها في حق المدنيين.
ونتيجة للضربات الموجعة التي وجهها الجيش الجزائري لـ"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب" الذي كان يتحصن في الجهة الشرقية من الجزائر خاصة منذ 2010، تمكن عدد من قادته من الفرار إلى تونس ومالي.
ولجأ درودكال إلى التحالف مع تنظيمات مسلحة في مالي في إطار خطة لاستعادة قدرات التنظيم الإرهابي وتوسيع نشاطه في منطقة الساحل وشمال مالي، وقرر في أكتوبر/تشرين الثاني 2012 التحالف مع إياد غالي زعيم "أنصار الدين" تزامناً مع انطلاق الحملة الفرنسية على الجماعات الإرهابية شمال مالي أوائل 2013.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلن، التنظيم الإرهابي تعيين أبوعبيدة يوسف العنابي (من أصول جزائرية) زعيما جديدا له عقب مقتل قائده السابق الإرهابي الجزائري عبدالمالك درودكال.
نصرة الإسلام والمسلمين
تصنف كواحدة من أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم ومنطقة الساحل والصحراء تحديداً كونها تضم "أكبر تحالف يدين بالولاء لتنظيم القاعدة"، منذ تأسيسها في مارس/آذار 2017، حيث تضم 4 جماعات إرهابية وهي "جماعة أنصار الدين"، و"كتيبة المرابطون"، و"إمارة منطقة الصحراء الكبرى"، و"كتائب تحرير ماسينا".
ويقود التنظيم الإرهابي "إياد آغ غالي" وهو أحد قادة الطوارق في مالي، الذي أعلنوا التمرد العسكري على الحكومة المالية في تسعينيات القرن الماضي بقيادة الحركة الشعبية "لتحرير الأزواد".
وقدرت تقارير أمنية وإعلامية دولية عدد عناصر "جماعة نصر الإسلام والمسلمين" الإرهابية بين 1500 و2200 إرهابي من جنسيات مختلفة.
ويشكل التنظيم الإرهابي تهديداً مباشراً لـ6 دول أفريقية "على الأقل" وفق التقارير الدولية، وهي: الجزائر، مالي، النيجر، موريتانيا، بوركينافاسو، وتشاد، إضافة إلى القوات الفرنسية المتمركزة في مالي والنيجر.
وكشف خبراء أمنيون عن أسباب تحالف 5 حركات مسلحة في تنظيم واحد والذي سموه "النمط الجديد للتنظيمات الإرهابية"، وفسروا بذلك بالضغوط التي فرضتها عليها دول الساحل والصحراء والقوات الأمريكية والفرنسية، مستفيدة في ذلك من "امتلاكها قدرات تنظيمية كبيرة" ساعدتها على التحالف وعلى التمدد في عمق الساحل خاصة في مالي والنيجر.
وأشارت تقارير استخباراتية دولية إلى "الخبرة العسكرية" التي تمتلكها قيادات في التنظيم الإرهابي خاصة التي انشقت عن الجيش المالي، أو التي لها "خبرة في تنفيذ الهجمات الإرهابية"، وهو العامل الذي ساعدها على تنفيذ هجمات إرهابية دقيقة.
ويستفيد التنظيم الإرهابي من عدم قدرة السلطات المالية على السيطرة على جزء من أراضيه، والذي شكل عاملاً كبيراً في قدرته على اختراق الحدود خاصة من جهة النيجر.
بوكو حرام
من أقدم وأكثر التنظيمات الإرهابية دموية في العالم أفريقيا والعالم، وقد نشأ عام 2002 في مدينة "ميدوجوري" شمال نيجيريا.
واسمه يعود لكلمة من لغة "الهوسا" المحلية وتعني "التعليم الغربي حرام"، ويظهر من اسم التنظيم الإرهابي أن هدفه الرئيسي التمرد على الحكومة المركزية في مسعى لوقف انتشار التعليم الغربي في المدارس والجامعات في نيجيريا، حيث ضمت في بداياتها أكاديميين، ثم سرعان ما تحولت إلى تنظيم دموي قاده علي يوسف الذي قتل على يد الأمن النيجيري.
وتولى بعدها أبوبكر شيكاو قيادة التنظيم المسلح، وبدأت معه عمليات خطف الفتيات من المدراس والعمليات الانتحارية.
غير أن تأسيس الحركة الإرهابية يعود بحسب تقارير إعلامية دولية إلى سنة 1995، بعد أن أنشأ "أبوبكر لاوان" تنظيما سماه "أهل السنة والهجرة" بولاية "بورنو" الواقعة شمالي البلاد.
وصنف مؤشر الإرهاب العالمي "بوكو حرام" في المرتبة الرابعة بين أكثر الجماعات الإرهابية دموية في العالم، ما جعل نيجيريا تحتل المركز الثالث عالمياً في قائمة أسوأ الدول تضرراً من الإرهاب.
بدأ التنظيم عملياته الإرهابية بالتركيز على "أهداف محددة" داخل نيجيريا وامتدت إلى حوض بحيرة تشاد، حيث شملت عملياته المدنيين والجنود من قتل ونهب واختطاف.
ومنذ ذلك الوقت بات لتنظيم "بوكو حرام" استراتيجيته الإرهابية الخاصة به، والتي تعتمد على خطف الرهائن والتفجيرات الانتحارية والهجمات المسلحة معتمدا في ذلك على الأطفال والنساء، واستهداف القرى والأسواق والمساجد والمدارس، والانخراط في شبكات الجريمة المنظمة، إلى أن باتت إيراداته السنوية تفوق 10 ملايين دولار وفقاً لتقارير صادرة عن الخارجية الأمريكية حول الإرهاب.
وفي الوقت الذي يجهل فيه عدد عناصر "بوكو حرام" التي تقدرها تقارير دولية بالآلاف، انقسم التنظيم الإرهابي الذي يزعم مطالبته بـ"تطبيق الشريعة الإسلامية في كافة المناطق النيجيرية بما فيها المسيحية" عام 2015 إلى حركتين.
وزادت دموية التنظيم الإرهابي بعد أن أعلن زعيمه أبوبكر شيكاو مبايعته لتنظيم داعش الإرهابي في مارس/آذار 2015، قبل أن يشهد التنظيم انقساماً بعد تغيير داعش قائد بوكو حرام وتنصيب "أبوبكر البرناوي" خلفاً لـ"شيكاو" الذي قرر العودة إلى تنظيم القاعدة.
داعش أفريقيا
ومن أخطر التنظيمات الإرهابية التي تمكنت من اختراق القارة السمراء، تنظيم داعش الإرهابي، الذي انحسر نشاطه وبدأ في الاندثار من سوريا والعراق بعد الضربات الكبيرة التي تلقاها من التحالف الدولي.
وكشف مسؤولون في الاتحاد الأفريقي عن فرار أكثر من 5 آلاف من إرهابيي داعش من سوريا والعراق إلى القرن الأفريقي والساحل، فيما كشف مسؤولون أمريكيون عن قرار اتخذه مقاتلو التنظيم بنقل الحرب من سوريا والعراق بعد مقتل زعيمهم أبوبكر البغدادي في غارة أمريكية على مخبئه بسوريا شهر أكتوبر/تشرين الأول 2020.
ويتركز وجود داعش في عدد من الدول الأفريقية بينها الصومال وليبيا ومالي وحوض بحيرة تشاد وتونس والكونغو الديمقراطية، في وقت تعرض لخسائر فادحة في مصر والجزائر.
ويتخذ وجود التنظيم الإرهابي أشكالاً مختلفة في القارة الأفريقية، من خلال تنظيمات أعلنت مبايعتها له موجودة في سيناء المصرية والجزائر ونيجيريا أو فرع لها مثلما هو الحال في ليبيا، أو خلايا نائمة كما حدث في أوقات سابقة بتونس.
ماسينا
حركة تحرير ماسينا من التنظيمات الإرهابية حديثة النشأة في دولة مالي ومنطقة الساحل، وتعتمد على الإرهاب العرقي، حيث إن معظم عناصرها من حركة تحرير الأزواد التي تضم مختلف مكونات أزواد العرقية، بينها الأقلية "الفولانية"، التي انفصلت عن الحركة وانضمت إلى "حركة أنصار الدين" الإرهابية في 2012.
يقود الحركة الإرهابي "أمادو جالو" وتمكن من جمع مئات المقاتلين إلى صفوف الحركة الإرهابية من الأقلية "الفلانية" .
ومنذ إنشائها، باشرت "حركة تحرير ماسينا" في عملياتها الإرهابية، وقامت بأعمال عنف وقتل جماعي في منطقة "موبتي" الواقعة في الجنوب الشرقي من دولة مالي، والتي تعد قاعدة لعملياتهم الإرهابية العرقية التي استهدفت بها مناطق في الجنوب.
وذكرت مراكز أبحاث غربية بأن عدد قواتها يتراوح بين ألف و4 آلاف مقاتل، وأصبحت من أكثر التنظيمات الإرهابية الخطرة على دول الساحل الأفريقي.
وفي 2015، أعلنت الحركة الإرهابية القطيعة مع حركات تحرير الأزواد في الشمال، وأعلنت عن تنظيمها بشكل رسمي في أبريل/نيسان 2015.
وتعد الأقلية الفولانية من بين العرقيات المشكلة للتركيبة السكانية في مالي ودول الساحل وغرب أفريقيا، ويقدر عدد سكانها وفق تقارير أفريقية بنحو 20 مليون نسمة، وهو العامل الذي زاد من نفوذ حركة تحرير ماسينا الإرهابية بتجنيدها إرهابيين من تلك الأقلية.
واختارت الحركة الإرهابية مدينة "موبتي" الواقعة جنوب مالي مقراً لها، والتي يقول الخبراء الأمنيون إنها "منطقة مغرية لتوسع الجماعات الإرهابية" بالنظر إلى إرثها التاريخي، وكانت شاهدة على إقامة ما عرف في القرن الـ19 بـ"إمبراطورية ماسينا" التي وصلت إلى السنغال ونيجيريا.
ويظهر من المرتكزات الفكرية لحركة تحرير ماسينا الإرهابية التقائها مع مخططات تنظيم الإخوان الإرهابي.
وتسعى الحركة الإرهابية لتحقيق 4 أهداف تتبنى فيها استراتيجية تنظيم القاعدة لتنفيذها، تتلخص في: إحياء الإمبراطورية الفولانية القديمة من مالي إلى غاية غرب أفريقيا، ومواجهة التدخل الفرنسي والجيش المالي لتحقيق ما تسميه "الوحدة بين الجماعات الجهادية في غرب أفريقيا والساحل".
وكذا السيطرة على كافة المناطق المالية لإقامة "دولة إسلامية" تمهيداً لاستعادة إمبراطورية الفولانيين، وتطبيق الشريعة.