سالم.. بائع فحم يمني حوله لغم حوثي إلى معاق
يتجول عبدالله عبده سالم في مدينة المخاء اليمنية على كرسي متحرك، وعادة ما يستفسر عما اقترفه لتزرع مليشيا الحوثي لغما حوله إلى معاق.
يتكرر هذا التساؤل على لسان سالم البالغ من العمر 40 عاما، كأنه يعبر عن جور المليشيات التابعة لإيران ووحشيتها حيث سيظل يكتوي بنار هذه الجريمة بقية حياته بعد أن أفقده لغم حوثي القدرة على الحركة.
يتذكر سالم، الذي يعول 8 أطفال، بينهم 5 بنات، الجريمة الوحشية للمليشيات والتي حولته من بائع للفحم النباتي إلى شخص معاق يتنقل على كرسي متحرك، فاقدا القدرة على تأمين مصدر رزق لأسرته.
يحكي سالم لـ"العين الإخبارية" قصته وكيف كانت آخر مرة وضع قدمية على التراب، حين وقع ضحية للغم زرعته مليشيات الحوثي في طريق يسلكها لنقل الفحم إلى السوق لكسب رزقه وقوت أطفاله.
يقول: "كنا بلغنا نهاية الطريق وصولا إلى المكان الذي نعمل فيه على تجهيز الفحم النباتي، كان الجو هادئا، لا شيء يعكر صفوه سوى صوت هدير محرك السيارة التي أقلتنا، ووحده من يكسر صمت ذلك المكان الذي نجلب منه الحطب ونعد فيه صناعة الفحم النباتي بقرية جحزر بمنطقة الجمعة التابعة لريف المخاء".
ويتابع سالم رواية مأساته: "كان لدينا نحو 30 كيسا من الفحم تم تجهيزها في اليوم السابق، كان ذلك يعد خيرا وفيرا بالنسبة لنا، وعند منتصف الظهيرة قررنا العودة، كنا ثلاثتنا، أنا والسائق وأحد أبنائي الذي يساعدني في تعبئة الفحم داخل أكياس النايلون".
يروي سالم فصول الحادثة قائلا: "أدار سائق السيارة عجلة القيادة للسير في طريق العودة التي أتينا منها، كنت سعيدا بأنني سأبيع تلك الكمية لأشتري بها مواد غذائية، إذ كان شهر رمضان على الأبواب عام 2018، كانت حينها الكمية الأكبر خلال عملي الذي يمتد لنحو 20 عاما في إعداد الفحم، وبيعه في أسواق المناطق الريفية القريبة".
يتابع: "خلال ثواني معدودة سمعنا صوت انفجار ضخم، قذف بي دون أن أشعر إلى الأرض وخلع باب السيارة. لا أعلم المدة التي قضيتها فاقدا للوعي، وحينما استعدت الوعي كان المشهد صادما، الدماء في كل مكان، وأقدامي ممزقه ملقية بالقرب مني، حاولت استعادة أنفاسي إذ كنت أشعر بصعوبة في التنفس. ما الذي جرى؟".
واستكمل: "تمالكت نفسي لأتحدث إلى أشخاص بالكاد كنت أراهم بصوت ربما لم يسمعونه، قلت لهم أرجوكم ساعدوني. ذلك الصوت المنبعث مني منحني الاطمئنان في أصعب اللحظات التي عشتها، لقد منحني الثقه بأنني لا أزال على قيد الحياة".
وأردف: "لحظتها وصل إلى المكان بضعة أشخاص، لكن لا أحد منهم تجرأ على انتشالي، لقد أرعبهم المشهد الدموي الذي كنت غارقا فيه، حتى أن الخشية تملكتهم ومنعتهم من المغامرة في إنقاذي، مخافة أن يقعوا في حقل الألغام الحوثي.
يقول سالم: "بدأت الآلام القوية تسري في جسدي، إلى حد أنني أيقنت بأنني غير بعيد من لحظة الموت الله وحده يعلم حجم تلك الآلام ومدى قوتها".
وتابع: "وصل ابن عمي على متن دراجة نارية، وقرر الدخول إلى المكان رغم تحذيرات الحاضرين بالمصير المشابه الذي ينتظره، الجميع كانوا يقولون له: (حقل ألغام حوثي فلا تغامر)".
ويستكمل موضحا: "لكن ابن عمي تقدم نحوي وشدني إليه ثم رفعني على متن دراجته النارية، وتطوع آخر للإمساك بي حتى لا أسقط، وحينما خرجنا من حقل الألغام بسلام، بعد مسافة قصيرة، أوقف دراجته ولف أقدامي المبتورة من منتصفها بقطعة قماش كانت على رأسه، وكانت تلك الخطوة الأولى لإيقاف النزيف".
وعلى مدى 10 دقائق وصلنا إلى قرية الجمعة في ريف المخا التي أنتمي إليها، أقلتني سيارة على وجه السرعة إلى مستشفى المخاء العام، وكان وصولي إلى هناك الخطوة ثانية في بقائي على قيد الحياة، بل لقد أنقذت حياتي فعلا.
ويواصل سالم رواية قصته المأساوية مع ألغام المليشيات الحوثية قائلا: "تمكن الأطباء على نحو عاجل من إيقاف النزيف، كما تم تعويض الدماء التي فقدتها حينها فقدت الوعي مجددا بعد أن علمت بإصابة ابني في عينه، ونجاة السائق الذي فر من الحادث من شدة الهلع وتركني غارقا في دمائي".
ويضيف: "علمت قيادة التحالف العربي بالساحل الغربي بخبر إصابتي بانفجار لغم حوثي، ووجهت بنقلي على نفقتها الخاصة إلى عدن، وتم إجراء عدة عمليات جراحية لتطهير الجروح وتنظيفها من التلوث وقطع الحديد التي علقت بجسدي، كما تم فصل بقية الأنسجة الممزقة من قدماي، وبعد يوم كامل من العمليات الجراحية أفقت من حالة الإغماء التي كنت فيها".
صعقت مرة أخرى بعدما تأكدت أنني فقدت قدماي، بكيت بكاء شديدا حينها وحاول الأطباء تطميني بتركيب أقدام صناعية، وهو مالم يحدث حتى اليوم"، يقول سالم.
مكث سالم في المستشفى طيلة عام كامل، يتلقى فيه الرعاية الطبية ويعايش الأما مبرحة يوميا.
يقول: "كان ذلك العام هو الأسوأ في حياتي، لقد كنت أشعر بالحزن، بل لحقت بي هزيمة نفسية. إن تتحول إلى شخص معاق بين عشية وضحاها يعد أمرا يصعب تقبله حتى كنت دائما ما أسأل: ما الذي صنعناه حتى تزرع مليشيا الحوثي الألغام في طريقنا".
يختتم سالم رواية مأساته: "عندما غادرت المستشفى فقدت الأمل بالعودة إلى حياتي الطبيعية، وها أنا ذا على كرسي متحرك أتجول في شوارع المخاء يوميا لأحصل على رزق عائلتي مما يجود به الناس، تلك هي مأساتي إذ حولني لغم حوثي من شخص يعيش كفاف يومه من مهنة إعداد الفحم النباتي، إلى شخص معاق على كرسي متحرك.