سامية جمال.. "فراشة السينما" أحبها الجميع وقتلتها الأنيميا
في 1 ديسمبر/كانون الثاني عام 1994 رحلت سامية جمال "فراشة السينما" تاركة خلفها 54 فيلماً سينمائياً، وفي ذكرى رحيلها نحلق عاليًا مع أهم محطات حياتها.
بملامحها الشرقية وخفة ظلها استطاعت الفنانة المصرية سامية جمال العبور إلى قلب الجمهور، وكل الذين عاصروا هذه الفنانة واقتربوا منها أجمعوا أنها كانت مصدراً للبهجة والحزن معاً، إذ كان الحزن يطل من عينيها دائماً، ربما لأن بدايتها كانت صعبة أو لأن الحب جلب لها التعاسة.
وصفها كثير من النقاد بـ"الممثلة الشاملة"، إذ بدأت بالرقص الشرقي وانطلقت إلى عالم السينما والتلفزيون.
وقفت أمام عمالقة التمثيل في مصر مثل زكي رستم، ورشدي أباظة، ومحمود المليجي، وتركت بصمة واضحة لا يستطيع أحد تجاهلها أو التقليل منها.
حياة سامية جمال
وُلدت زينب خليل إبراهيم محفوظ في 5 مارس/آذار 1924 بمحافظة بني سويف جنوب القاهرة. شاءت الأقدار أن تعرف معنى اليتم مبكراً. رحلت والدتها في الـ8 من عمرها.
تزوج الأب بعد رحيل الأم، ووقع اختياره على سيدة قاسية القلب، فعاملت الطفلة بسوء، وأحالتها إلى خادمة لها.
هذه الحياة جعلت الطفلة تشعر بالغربة لذا فكرت في الهروب من المنزل.
من بني سويف إلى عماد الدين
عندما بلغت "سامية" 16 عاماً سافرت إلى القاهرة، فكانت تعشق الرقص وتتمنى أن تعمل في فرقة كبيرة.
من هنا اتجهت إلى فرقة بديعة مصابني، والتي أعجبت بها وبحركاتها التي تشبه الفراشة، وسمحت لها أن تقدم فقرة منفصلة وخاصة بها.
ومن مسرح بديعة مصابني عرفها منتجو السينما، وفي عام 1943 تمت الاستعانة بها في عدد من الأفلام الاستعراضية، وذاعت شهرتها لأنها لم تقلد أحدا ومزجت بين الرقص الشرقي والغربي.
سامية جمال راقصة مصر الرسمية
"الجمهور كان هيضربني لولا جريت على جوه" استطاعت سامية جمال أن تتميز بتمايل جسدها المتقن مع الموسيقى وخفة حضورها التي جعلتها تدخل للقلوب بلطف.
باتت الراقصة التي ظهرت لأول مرة على مسرح بديعة مصابني بخجل مع افتتاح الستار، ولم يقبلها الجهور، هي راقصة مصر الرسمية، بعد أن أصبحت المفضلة لإحياء الحفلات الملكية داخل القصور.
سامية.. الراقصة الحافية
حصلت سامية على لقب "الراقصة الحافية" بعد أن تعثرت في المرة الأولى لظهورها على المسرح بسبب الكعب العالي، فقررت أن ترقص دونه بعد ذلك.
لتتحرك الفراشة بحرية وطلاقة لا يناسبها الشبر ولا المتر، بل تجوب الصالة من أولها إلى آخرها تنشر البهجة والمتعة.
تصبح بذلك سامية جمال مدرسة خاصة في الرقص تنافس صديقتها تحية كاريوكا، وتتمكن بموهبتها الصادقة والمتفردة أن تنطلق نحو السينما، من خلال الأداء الذي يجمع بين الرقض الشرقي والتكنيك الغربي.
زيجات سامية جمال
علاقات حب لم تكتمل. زيجات لم يُكتب لها النجاح.. عاشت سامية جمال آخر أيامها وحيدة دون ونيس، واكتفت بأولاد شقيقتها كتعويض عن حلم الأمومة الذي لم تتمكن من تحقيقه.
على الرغم من أنها كانت تتمتع بروح مرحة وطيبة، لم تكن علاقاتها العاطفية وحتى زواجها من دنجوان السينما المصرية، الذي استمر 18 عاما، موفقا.
سامية جمال وفريد الأطرش
بعد عدد من التجارب بدأت تخطو نحو عالم التمثيل بشكل جاد، وقدمت مع الفنان الكبير فريد الأطرش عددا من الأفلام المهمة مثل "عفريتة هانم" و"حبيب العمر".
شكّلت مع الأطرش ثنائيا فنيا ناجحا. وقعت في حبه إلا أنه لم يتحمس للزواج منها، ودفعها الحفاظ على كرامتها إلى الابتعاد عنه، والزواج من الأمريكي "شيبرد كينج" بعدما أن أشهر إسلامه من أجلها، ثم اكتشفت أنه يستغلها مادياً، وأن مشاعره زائفة، فانفصلت عنه.
فريد الأطرش.. حبيب العمر
رغم الاختلاف والفراق والهجر، ظل فريدة الأطرش "حبيب العمر" بالنسبة لها، فرفضه لوجود علاقة رسمية تجمعهما كان السبب الرئيسي للبعد بعد قصة حب حقيقية وغرام بدأ من ناحيتها
"قبل ما أقابله بـ 4 سنين، سمعت صوته في الإذاعة وحبيته قوي ولمس قلبي"
ظل مطرب تعشق صوته، ولم تره مرة واحدة، ولم تتوقع أن تراه، حتى كان اللقاء حين نشرت إحدى المجلات صورته على غلافها، حين كانت تعمل في كازينو بديعة مصابني أوائل سنة 1940.
قررت أن تدخر من أجرها لتقوم بشراء 10 نسخ من المجلة، التي امسكت بها غير مصدقة أنها ترى ملامحه لأول مرة،
"كنت فرحانة وجنبي طفل صغير عمالة ألعب معاه واسأله مين على الغلاف، لغاية ما سمعت صوت من ورايا بيقول ده أنا، ببص لقيته فريد، قومت وقعت من طولي".
آخر لقاء بين سامية وفريد
مع تذكرها للحظات اللقاء الأول، وحزنها الشديد للفراق وعدم رغبته في أن يرتبط بها رسميا ويتزوجا- كما أشيع- حفرت ذاكرتها أيضا اللقاء الأخير، الذي كان في إحدى تجمعات العشاء للفنانين قبل وفاة فريد الأطرش بما يقرب الشهر والنصف، حين وجدته يقبل عليها ويحدثها عن شعوره بالتشاؤم وعدم الارتياح.
"قالي المصحف اللي أنتي ادتهولي (أعطيتيه لي) سنة 42 ضاع مني مش لاقيه، وحاسس أنه حاجة وحشة هتحصل"
لتبدو وكأنها رسالة من الغيب تنبأه أن موعد الرحيل قد اقترب، فالمصحف الذي لم يفارقه يوما ضاع منه.
حزنت سامية جمال على رحيله بشدة وبقيت محبتها له كبيرة، فهو الرفيق الذي شكلا معا ثنائيا ما زال الجمهور يستمتع بمشاهدته.
شيبرد كينج وسامية جمال
بعد أن انتقلت سامية جمال إلى باريس للرقص في نادي "دوفيل"، وفي الوقت الذي انتهت فيه علاقتها بفريد الأطرش، تعرفت إلى شبرد كينج رجل الأعمال الأمريكي.
بدا معجبا بها ومفتونا بحبها، واستطاع ان يقنعها بالزواج منه بعد أن أشهر إسلامه وأصبح اسمه "عبد الله كينج".
تزوجت منه، وأقامت معه في في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة عام ونصف، تقوم بالرقص والعروض ويحصل هو على المال، فتكتشف استغلاله المادي لها، وتطلب الطلاق وتعود إلى مصر خالية الوفاض.
سامية ورشدي.. 18 عامًا من السعادة
وبعد تجربة الزواج الأولى قررت التفرغ لفنها فقط، لكنها لم تصمد كثيراً خاصة بعدما التقت بالفنان الكبير رشدي أباظة في فيلم "الرجل الثاني".
نشأت بينهما علاقة حب قوية، ووعدها ساحر النساء في ذلك الوقت أن تكون عالمه الخاص، وبالفعل عاشت معه 18 عاماً من السعادة، ثم تزوج أباظة من صباح في بيروت، وفوجئت سامية بالخبر منشورا في الصحف والمجلات فقررت الانفصال.
آخر ظهور لسامية جمال
يظن كثيرون ان الظهور الأخير لسامية جمال هو فيلم "ساعة الصفر" عام 1972 بعد توقف عن السينما لـ 10 سنوات، وكذلك ظهورها مع الإعلامي طارق حبيب في برنامج"اتنين على الهوا"، وتأديتها لرقصة مميزة رغم بلوغها الخمسين من العمر حينها، لكن يتذكر الراحل سمير صبري رواية أخرى.
في منتصف الثمانينات، وبعد فترة من طلاقها من رشدي أباظة، كانت سامية جمال وهي مقبلة على الستين من عمرها تواجه ضائقة مالية وتعول شقيقتها وأبناءها الخمسة المقيمين معها، فيجد سمير صبري فرصة لمساعدتها بان يقنعها بتقديم رقصة أسبوعية لا تتعدى مدتها 15 دقيقة في فندق جديد بمصر الجديدة.
"كانت خايفة من كلام الناس وأنها كبرت.. اتفقنا على حركة تعملها أول ما تحس بالتعب" ولكنها استطاعت أن تقدم رقصتها بنفس رشاقة العشرين من العمر، وفي افتتاح اليوم حضر ما يقرب من 1200 شخص، وسجلت رجوعها القنوات الأجنبية، ومع نهاية ايوم الافتتاح قالت له "أشكرك أنك رجعتني للحياة مرة تانية" - سمير صبري.
الأنيميا تقتل فراشة السينما
أرادت "فراشة السينما" أن تعود إلى الأضواء، وأن تثبت للجميع أنها قوية فقررت العودة للرقص، واتبعت نظاماً غذائياً قاسياً لتقليل وزنها.
رغبة سامية جمال في أن تحتفظ بوزنها ومظهرها الرشيق، كانت تجعلها تنفر الطعام ولا تأكل منه إلا القليل، مما أثر على صحتها الجسدية وتسبب في انخفاض نسبة الهيموجلوبين في الدم لأقل من مستوياتها الطبيعية، وإصابتها بالأنيميا الشديدة.
الأمر الذي أدى إلى حدوث جلطة في الشريان المغذي للمعدة والأمعاء.
رحيل سامية جمال
مكثت سامية جمال في مستشفى مصر الدولي 10 أيام، حيث أجرت جراحة في المعدة.
تحسنت حالتها بعدها قليلا، ولكنها دخلت في غيبوية ولم تفق منها حتى رحلت في 1 ديسمبر/كانون الثاني عام 1994 تاركة خلفها خلفها 54 فيلماً سينمائياً.
aXA6IDE4LjIyNC4zMS45MCA= جزيرة ام اند امز