السعودية تكتب اليوم تاريخاً جديداً في المنطقة، يعنى بالتنمية والازدهار الاقتصادي وتطوير الدولة والمجتمع ونشر التسامح والمحبة والسلام.
السعودية تعرف أعداءها في المنطقة والعالم. وبلدٌ بلا أعداء هو بلدٌ بلا قيمة، بمعنى أن وجود الأعداء دليلٌ على القوة والنجاح والتأثير، والدخول القوي في صراعات المنطقة يزيد الأعداء عداوة والحلفاء قوة، والسعودية الجديدة قررت وبوعي منذ أربع سنواتٍ أن تواجه أعداءها ومشروعاتهم المدمرة.
التاريخ سيستمر دائماً في صراعاتٍ وأزماتٍ، كما سيعيش كوارث ومصائب، فمسيره الطويل أكبر شاهدٍ، وسيستمر في تقلبٍ دائمٍ وتغييرٍ مستمرٍ، وستصعد قوى وتنزل أخرى، ولكن السعودية الجديدة أصبحت رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه مهما تكاثر الأعداء
أعداء السعودية وحلفاؤها في المنطقة معروفون ويختصرهم مشروعان كبيران؛ المشروع الطائفي الإيراني وذيوله في أربع دول عربية هي العراق وسوريا ولبنان واليمن، عبر مليشيات شيعية وتنظيمات سنية، يجمعها الإرهاب والدموية، والمشروع الأصولي الإرهابي الذي تدعمه أحلام الخلافة وأوهام استعادة الماضي، ويجمع تركيا بقطر بجماعة «الإخوان المسلمين» بالجماعات الإرهابية، وهما مشروعان يهدفان لنشر «استقرار الفوضى» و«دعم الإرهاب»، بينما تقود السعودية مشروع دعم استقرار الدولة والمنطقة، ومشروع نشر الاعتدال والتسامح والسلام.
تكتب السعودية اليوم تاريخاً جديداً في المنطقة، تاريخاً يعنى بالتنمية والازدهار الاقتصادي وتطوير الدولة والمجتمع ونشر التسامح والمحبة والسلام، وخلق الفرص واستقطاب الاستثمارات، وتبشر بجعل المنطقة «أوروبا الجديدة»، كما هو تصريح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهي ترحب بكل من يشارك في هذا التوجه الجديد في المنطقة، وتوسع علاقاتها مع كل دول العالم، وترسخ تحالفاتها القديمة وتبني أخرى جديدة، ولا يزيحها شيءٌ عن صناعة مستقبل جديدٍ للدولة والشعب السعودي ولدول المنطقة وشعوبها.
حين تكبر الأحلام وتصبح برسم التنفيذ يظهر لها أعداءٌ جددٌ وينشط الأعداء الأقدم من جديدٍ، وحين تجاوزت السعودية «قضية خاشقجي» ووضعتها في مسار العدالة الصحيح لم يقتنع الأعداء، ولا يزالون «يفتلون لها في الذروة والغارب»، يختلقون الأزمات ويفترعون القصص ويهيجون بعض الفئات، ولكن ليس كما هو معتاد في السابق بالاعتماد على الجماعات الأصولية التي صنفتها السعودية إرهابية، مثل جماعة «الإخوان المسلمين» أو «السرورية» أو غيرها من جماعات الإسلام السياسي، بل هذه المرة عن طريق مزاعم حقوقية أو إنسانية تعتمد على تحريض بعض الأفراد على إعلان المعارضة للدولة والشعب السعودي.
أعلنت السعودية عن اعتقال بعض الأفراد نساءً ورجالاً لهم أجندة معارضة وعلاقاتٌ مع جهاتٍ أجنبية معادية للسعودية، وهربت فتياتٌ من السعودية بناءً على تحريضٍ خارجيٍ منظمٍ معادٍ للسعودية، وهذه المنظمات لا تأبه حقيقة بمصير تلك الفتيات، ولكنها تعتمد فقط على محاولات إثارة الرأي العام الدولي ضد السعودية وإظهارها بما ليست عليه، فهم أشرارٌ يلبسون لباس الخير.
الغريب هو أن مثل هذا التحريض المنظم يحظى بدعم بعض الحكومات الغربية مثل كندا، بناءً على الموقف السعودي الحازم منها حين حاولت التدخل في الشؤون الداخلية السعودية ومثل ألمانيا أو السويد من قبل، فخرج الموقف الكندي من السياسة إلى محاولات المناكفة الصغيرة التي لا تليق بالدول مهما حاولت تغطيتها بالموضوع الإنساني أو الحقوقي، ثم إن قضايا هؤلاء الفتيات هي قضايا عائلية لا تتدخل فيها الدولة، ولكن هذه تصرفات صبيانية لا تليق بالدول.
والسؤال هنا هو: لماذا يستهدفون السعودية؟ لماذا كل هذا التفرّغ والترصّد لكل صغيرة وكبيرة تتعلق بالسعودية؟ ولماذا كل هذا التعامي عما يجري حقيقة في السعودية من نهوضٍ وتقدمٍ ونشدانٍ للمستقبل والانفتاح على العالم؟ هذه أسئلة محقة يجب التأمل فيها والسعي لجمع الإجابات عنها.
في محاولة الإجابة، فإنهم يستهدفون السعودية بحكم المنهج، أو بحكم العادة، أو بحكم المصالح؛ بحكم المنهج يُقصد به اليسار العالمي المتحالف مع جماعات الإسلام السياسي، سواءً كانوا في الحكومات والأحزاب أم في مؤسسات المجتمع المدني أم في المؤسسات الإعلامية، وهؤلاء جميعاً معادون للسعودية بحكم أيديولوجيتهم وفكرهم وخطابهم، وهم إنما يفتشون عمّا يبرر لهم خطابهم ومواقفهم من أحداث كبيرة أو صغيرة هنا أو هناك، ويمكن أخذ السقوط الكبير والمدوي لوسائل إعلام كبرى في أمريكا تحديداً في قضية خاشقجي كمثالٍ.
وجماعات الإسلام السياسي المقصود بها في هذا السياق هي التنظيم الدولي لجماعة «الإخوان» والتنظيمات والمؤسسات التي أنشأها في الدول الغربية والأفراد المنتمون له، الذين وصل الجيل الثالث أو الرابع منهم لمكاتب ساسة مهمين في أمريكا وأوروبا، سواء في مناصب حكومية أو برلمانية، وهم يدعمون أجندة جماعات الإسلام السياسي ويرفضون السعودية لأنها الممثل الحقيقي للإسلام والمسلمين وقد فضحتهم وصنفتهم إرهابيين.
أما بحكم العادة، فالمقصود به أن ثمة تياراتٍ سياسية وحقوقية وإعلامية ورثت أسطوانة مشروخة في الموقف من السعودية، وهي تكرر التهم القديمة المعلبة نفسها دون أن تسعى لقراءة المشهد الجديد في السعودية، ودون أن تبذل أي جهدٍ للاطلاع على السعودية الجديدة بكل الأبعاد الحديثة والعظيمة التي تبنيها، وبخاصة «رؤية السعودية 2030» والبرامج الكبرى المساندة لها، على الرغم من أنها جميعاً منشورة ومعلنة وبأكثر من لغة.
ومما يزيد الطين بلة في هذا السياق هو تحوّل الغوغائية الشعبوية من فكرة في بعض الأذهان النخبوية الرافضة للشعبوية ربما إلى إمبراطوريات «السوشيال ميديا» العابرة للحدود والداخلة في كل بيت والواصلة لكل فردٍ، مع رغباتٍ جامحة لتجاوز الدول والقوانين وخلق عالم جديدٍ بقواعد مختلفة، وهم أكثر جهلاً من سابقيهم ولكنهم خير وسيلة لهم.
وبحكم المصالح، يقصد به بعض الدول أو الحكومات أو الأحزاب أو الأفراد الذين لهم مصالح عامة وخاصة في معاداة السعودية، وتجمّع المصالح بين هذه الأطراف يخلق تياراتٍ تكبر أو تصغر ترفض صعود السعودية الجديدة ومدى تأثيرها الإقليمي والدولي الذي يخلط الكثير من الأوراق ويجبر الكثيرين على إعادة حساباتهم تجاه المنطقة وتوازنات القوى فيها.
إضافة لما سبق، فإن بعض المؤسسات الدولية العريقة تسيطر على موظفيها البيروقراطيةُ العتيدة، والرفض الدائم للتغيير والتجديد، ويكفي التأمل في الموقف من الحوثيين في اليمن؛ هذه المليشيا الإرهابية التي اختطفت السلطة وأغرقت الشعب اليمني في الذلّ والمهانة والإجرام المنهجي، وآخرها استقالة الجنرال الهولندي كاميرت المعين من قبل الأمم المتحدة لتطبيق اتفاق ستوكهولم، الذي استهدفته المليشيات بالسلاح ورفضت تطبيق الاتفاق وسجلت خروقاتٍ هائلة له، ولكن المبعوث الدولي لم يصرّح بعد مجرد تصريح بهذه الانتهاكات.
أخيراً، فالتاريخ سيستمر دائماً في صراعاتٍ وأزماتٍ، كما سيعيش كوارث ومصائب، فمسيره الطويل أكبر شاهدٍ، وسيستمر في تقلبٍ دائمٍ وتغييرٍ مستمرٍ، وستصعد قوى وتنزل أخرى، ولكن السعودية الجديدة أصبحت رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه مهما تكاثر الأعداء.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة