القيود الأمريكية على الدور التركي في سوريا وربط أي تحرك بالتنسيق معها وتقديم ضمانات لحماية الأكراد، تسهم في تقويض الوجود التركي بسوريا.
الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت استعدادها للانسحاب العسكري من الأراضي السورية، بدا واضحا أنها تسعى إلى تقييد الدور التركي في الأراضي السورية والعمل على ربط هذا الدور بالتنسيق معها، وتقديم ضمانات لحماية الأكراد، وإما التهديد بتدمير اقتصادها، وهو مما لاشك فيه خطوة لا تتناسب مع العقلية السياسية التركية التي تعاملت مع الملف السوري كذريعة نحو القضاء على ما تعتبره التهديد الكردي، ومن جهة عبر استحضار التراكمات التاريخية والأطماع العثمانية وبخاصة في الشمال السوري الذي بدا واضحا فيه ملامح الاحتلال التركي، حيث سعت أنقرة إلى إحداث تغيير في ملامح الحياة العامة حتى أصبحت كأنها مدن تركية، بدءا من قرار المجلس المحلي في مدينة إعزاز بريف حلب الذي أصدر قرارا يمنع فيه التعامل بالهوية السورية واستبدالها بالهوية التركية، وفي الأراضي التي استولت عليها تركيا عقب العملية التي سميت "غصن الزيتون" بدأ الطلاب يتعلمون اللغة التركية، وحتى استبدال إشارات السير العربية بأخرى تركية.
حديث أردوغان عن " اتفاق أضنة" يكشف النوايا التركية لسنوات طويلة في التعامل مع الأزمة السورية، وأن الهدف ليس كما يروج له أردوغان من دعم الثورة ومناصرة الشعب السوري، بل الهدف هو توظيف ذلك لخلق ذريعة للقضاء على الأكراد
ولذلك فإن القيود الأمريكية على الدور التركي في سوريا وربط أي تحرك بالتنسيق معها، وتقديم ضمانات لحماية الأكراد وهي جميعها تسهم في تقويض الوجود التركي في سوريا، ومن هنا يمكن النظر لزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى روسيا قبل عدة أيام هي لا تعدو كونها محاولة من قبل أنقرة وخطوة تأمل منها أن تحصل من خلالها على مساحة أوسع للتحرك في الملف السوري والتخلص من القيود الأمريكية، لكن يبدو أن زيارة أردوغان إلى روسيا لم تحقق أهدافها، هذا ما نراه في الخطاب التركي الذي تحدث بلغة الكبرياء وعن قدرة وإمكانية تركيا في السعي لإقامة المنطقة الآمنة لوحدها.
من جهة أخرى، نجد أن الخطاب التركي الذي تحدث عن قدرة تركيا على إقامة منطقة آمنة بمفردها يتناقض مع حديث أردوغان عن ضرورة إعادة تفعيل اتفاق "أضنة" الذي تم التوصل له عام 1998 والذي يعطي الأتراك الحق في التدخل عسكريا في الأراضي السورية نحو 5 كيلومترات، كما أن "اتفاق أضنة" يعني تغييرا جذريا في الموقف السياسي، وهو ما يتطلب العمل على إعادة العلاقات الرسمية بين تركيا ودمشق بخاصة، وأن تفعيل مثل هذه الاتفاقية يتطلب أن تتعامل الحكومة التركية مع نظيرتها السورية مباشرة، وهو ما يعني أن أنقرة قررت عبر حديث أردوغان عن ضرورة تفعيل "اتفاق أضنة عام 1998" بأن تسعى إلى فتح قنوات الاتصال المباشرة مع النظام السوري.
كما أن حديث أردوغان عن "اتفاق أضنة" يكشف النوايا التركية لسنوات طويلة في التعامل مع الأزمة السورية، وأن الهدف ليس كما يروج له أردوغان من دعم الثورة ومناصرة الشعب السوري، بل الهدف هو توظيف ذلك لخلق ذريعة للقضاء على الأكراد، ولذلك فإن حديث أردوغان عن اتفاق أضنة يأتي كخطوة استباقية لما أعلنت عنه قوات وحدات حماية الشعب الكردية لوكالة رويترز عن بدء المحادثات قريبا مع النظام السوري بشأن المنطقة الغربية، وهو ما أوضحه القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية بأن أي اتفاق مع النظام يجب أن يضمن خصوصية قواته بعدما تمكنت من طرد تنظيم داعش.
ولذلك، فإن الحديث التركي عن ضرورة تفعيل "اتفاقية أضنة" يأتي لوقف أي تعاون أو دعم للنظام السوري للأكراد، خاصة أن هذه الاتفاقية التي وقعت في العام 1998، تعهد فيها السوريون بإنهاء دعمهم لحزب العمال الكردي، ولذلك فإن المطالبة بتفعيل هذه الاتفاقية هي محاولة من قبل أردوغان لخلق أرضية "لعقد صفقة" بين تركيا والنظام السوري أراد منها أردوغان أن يقول للحكومة السورية "استعداه للتخلي عن المعارضة" مقابل عدم دعم النظام السوري للأكراد، كما أن المطالبة بتفعيل هذه الاتفاقية التي تعطي الأتراك الحق في التدخل عسكريا في الأراضي السورية نحو 5 كيلومترات، هي محاولة من جهة أخرى لخلق ذرائع لشرعنة التدخل العسكري لتحقيق أهدافه في القضاء على الأكراد، وذلك بعيدا عن القيود الأمريكية التي تقيد الدور التركي بتقديم ضمانات لحماية الأكراد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة