العالم سيفاجأ بأن الأمر لم يكن يحتاج أكثر من تلاقي وتآخٍ عملي، وصولا لرفع الحرج الرسمي وغير الرسمي من توصيف الغير بالصديق بدلا من الأخ.
أن يلبي البابا فرنسيس بابا الفاتيكان دعوة كريمة من سمو الشيخ محمد بن زايد لزيارة الإمارات، فإن ذلك يعني أن هناك تقديرا كبيرا للداعي والمدعو، فالداعي له من الجهود الجبارة مع فريق عمله لترسيخ وتجذير أسس الإخاء والتعايش الإنساني حول العالم ما يوازي جهود الضيف الكبير المدعو الذي لولا أنه يقدر تلك الجهود لفكر في إيفاد من يمثله على الأقل.. لكنه قادم بشخصه؛ كيف لا وقد سبقه الشيخ محمد بن زايد بزيارة رسمية إلى الفاتيكان منذ عامين في خطوة تجاوزت وفاقت بإيجابيتها كل أعراف السياسة الدولية التقليدية إلى الأبعاد الإنسانية العميقة.
ستضاف هذه الزيارة إلى رصيد دولة الإمارات التي تنافس جميع الدول في حصد الأرقام القياسية، كما سيضيف الملتقى بما يحمله من مضامين سامية إلى ذلك الرصيد الحافل لدولة الاتحاد على الصعيد الإنساني في "عام التسامح"
زيارة البابا فرنسيس إلى دولة الإمارات العربية المتحدة والذي يحضر رسميا إلى منطقة الخليج للمرة الأولى بصفته، مستصحبا معه مركزه الروحي كقائد ورمز ديني، ليشارك ويتحدث إلى العالم من أرض الإمارات، أرض التعايش والتسامح.
وذلك من خلال المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية، المحطة الأهم بين محطات زيارة البابا للدولة حيث تضفي مشاركة البابا فرنسيس في الملتقى إلى جانب فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين الذي يعد أبزر القيادات الإسلامية على مستوى العالم والذي يقود أكبر المؤسسات الدينية الإسلامية، تضفي هذه المشاركة الثنائية زخما غير مسبوق للمناسبة التي تؤرخ لمسار إنساني جديد يؤدلج للتآخي غير المشروط بين بني الإنسان.
اللقاء الاستثنائي بين هذين الرمزين لإحياء هذه المناسبة المهمة -وإن طال انتظاره- إلا أنه أمر ضروري كضرورة الماء للبقاء على قيد الحياة، وقد تكون نقطة تحول جذرية في مضمار التعايش الإنساني الذي يعمل الإماراتيون على تحقيقه على مستوى نخبة المفكرين والعلماء حول العالم في أيام الملتقى، ويمارسونهما -أي التعايش والتآخي- كل يوم منذ أن قامت دولة الإمارات العربية المتحدة الذي قال مؤسسها يوما: "الرزق رزق الله والمال مال الله والخلق خلق الله والأرض أرض الله والفضل فضل الله واللي يبينا حياه الله"، كلمات أصلت لمبدأ إنساني نبيل كانت سببا في تبوُّء الإماراتيين المركز الأول بين دول العالم مؤخرا.
بطبيعة الحال، فإن الزيارة لا بد وأن تحظى بنصيبها من التصنيف والتقييم السياسي إقليميا ودوليا، وستضاف هذه الزيارة إلى رصيد دولة الإمارات التي تنافس جميع الدول في حصد الأرقام القياسية، كما سيضيف الملتقى بما يحمله من مضامين سامية إلى ذلك الرصيد الحافل لدولة الاتحاد على الصعيد الإنساني في "عام التسامح"، في ظل استقطابات حادة من قبل مستفيدين ومأجورين للعمل على شَرْذَمة المجتمعات وتشتيتها لتحقيق أهداف "فرق تسد".
سيكون هذا الملتقى مساحة دورية حقيقية ذات تأثير عالمي النطاق للتحريض على التقارب ونبذ التنافر، ولن يعود بعد هذا اللقاء لدعاة الفتنة والتفرقة ما يقتاتون عليه من أكاذيب ونظريات يبنون عليها مصالحهم ويحققون بها مآربهم الخبيثة.
حتما سيكون هذا الحدث ذو الوزن العالمي عنوانا عمليا مرادفا للعنوان المعنوي الذي اختاره الإماراتيون لهذا العام (عام التسامح) وردا عمليا على كل مدَّعٍ بأن المسلمين إرهابيون، كما أنه تطبيق عملي لقوله تعالى: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون)، إنه فهم متقدم وقناعة راسخة لدى قادة وشعب الإمارات، والأمل كبير أن يحذو بقية الأشقاء حذوهم، وتجدر الإشارة إلى أن الإمارات يوجد بها عدد من الكنائس وأقدمها بني في العام 1965 وهي كنيسة سانت جوزيف في أبوظبي.
لا بد وأن يخرج الملتقى بنظريات ومقاربات عصرية جديدة تؤسس لمعالجة وتصحيح كثير من المفاهيم المغلوطة التي عاش عليها العالم دهورا من التباغض والتنافر والاقتتال باسم الدين، متناسين الرابط الإنساني الذي يعد أقوى الروابط بين بني البشر، سيفاجأ العالم أن الأمر لم يكن يحتاج أكثر من التلاقي والتآخي العملي، وصولا لرفع الحرج الرسمي وغير الرسمي من توصيف الغير بالصديق بدلا من الأخ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة