نحن في أول المهمة..نستبشر، نعم، لكن لم يحن الاحتفال بعد.. ولهذا حديث آخر.
لاحظت في السعودية، خاصة، وخارجها العربي المسلم، بدرجة ما، الاحتفالات «المبكرة» بنهاية عصر «الصحوة»، والصحوة تعبير سعودي اصطلاحي عن كل تيارات الإسلام السياسي، وخيمتها الكبرى طبعاً هي جماعة الإخوان المسلمين.
ما يقلق، الآن، هو الركون لهذه الهزيمة الإخوانية الصحوية «المؤقتة» وعدم العمل الشامل الدائم غير المنقطع، عن تنظيف العقول المستقبلة والنفوس المتفاعلة والفضاء العام، من تركة قرن من الزمان تقريباً، كتب فيه الأصوليون عقول أجيال ونفوسها.
منذ أطلق ولي العهد السعودي، قائد الرؤية الوطنية الجديدة، وعده الشهير بسحق المتطرفين «اليوم وفوراً» وثمة شعور متنامٍ بأن صفحة «الصحوة» قد طويت للأبد.
ضع مع ذلك تراجع الوهج الإعلامي وشبه الحصانة الاجتماعية التي كان يتمتع بها نجوم الصحوة من أمثال سلمان العودة، وعوض القرني، ومن خارج السعودية شخصيات مثل سيد قطب، وحسن البنا، ونشطاء الكويت من نجوم الصحوة، مثل أحمد القطان، ومحمد العوضي، وبعدهما جيل طارق السويدان ومن شاكلهم. وهو تراجع ليس من اليوم بل على مدى السنوات القريبة.
أستخلص من ذاك كله أن الصحوة، نجوماً وأدبيات ومفاهيم وقضايا، قد ماتت وشبعت موتاً، وكفنت ودفنت ولم يبق خلفها إلا الذكريات وما تقوله المذكرات التي يهتم بها فقط ثلة خاصة من الباحثين.
قبل إبداء الرأي بهذه الخلاصة، نذّكر بلمحات خاطفة من صورة الهيمنة التي فرضها الصحويون، من إخوان وسروريين، وجمهورهم من العامّة -والعامي وصف يسري حتى على بعض خريجي الجامعات الأمريكية والفرنسية بالمناسبة، لأن العاميّة حالة ذهنية ليست وصفاً اجتماعياً- ومن تلك اللمحات:
كان ذكر دعاة الصحوة، من سعوديين وغير سعوديين، أمراً صعباً جداً في الصحف، خاصة في عقد الثمانينيات وشطر من التسعينيات.
كان هناك احتفاء بأدبيات الإخوان ورواياتهم، وكانت كتب زينب الغزالي وأحمد رائف مثلاً، عن كربلائيات الإخوان الناصري، تحتل مقدمة الرفوف في المكتبات التجارية، وكتب محمد قطب كانت جزءاً من المكتبة المدرسية والمقرر المدرسي. وكان سيد قطب يحمل تقديراً خاصاً لدرجة تسمية مدرسة باسمه في منطقة القصيم.
فقد الإخوان جزءاً من تقديرهم بعد غدرهم بالسعودية عقب احتلال صدام الكويت، وتحدث ولي العهد الأسبق وزير الداخلية المرحوم الأمير نايف بن عبدالعزيز بمرارة عن غدر الإخوان، وبدأ تدريجياً سحب أدبيات الجماعة من الفضاء العام.
زاد الأمر وضوحاً بعد تفجر العمل الإخواني في موسم الفوضى العربية، وتبين أنه لا فرق في الإخوان بين مسلح ومتحدث يلبس ربطة العنق، كله واحد.
ما يقلق، الآن، هو الركون لهذه الهزيمة الإخوانية الصحوية «المؤقتة» وعدم العمل الشامل الدائم غير المنقطع، عن تنظيف العقول المستقبلة والنفوس المتفاعلة والفضاء العام، من تركة قرن من الزمان تقريباً، كتب فيه الأصوليون عقول أجيال ونفوسها.
نحن في أول المهمة... نستبشر، نعم، لكن لم يحن الاحتفال بعد... ولهذا حديث آخر.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة