الرياض وإسلام آباد.. شراكة استراتيجية تعزز علاقات الخليج وباكستان
قمة سعودية باكستانية تتوج باتفاق على إنشاء مجلس تنسيق أعلى، في خطوة تعزز الشراكة الاستراتيجية بينهما وبين باكستان ودول الخليج.
ويرتقب أن تسهم العلاقات بين البلدين من خلال مجلس تنسيقي في تطوير العلاقات الثنائية والدفع بها إلى آفاق أرحب، كما تلقي بظلالها على صعيد تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج وباكستان، والتي ترتكز على قاعدة عريضة من المصالح المشتركة والروابط الثقافية والدينية والشعبية، وسط سعي متبادل من قادة الجانبين إلى تطويرها.
وهو ما ظهر جليا في توجيه قادة دول الخليج في ختام القمة الخليجية الأخيرة التي عقدت في محافظة العلا غرب السعودية 5 يناير/كانون الثاني الماضي باستكمال الإجراءات والخطط والبرامج اللازمة لتعزيز التعاون مع باكستان.
كما يتضح في الحرص على التواصل المستمر عبر الزيارات الرسمية والمباحثات الهاتفية، وخلال الأسبوعين الماضيين فقط، أجرى مسؤولون باكستانيون زيارات لكل من السعودية والإمارات.
مباحثات مهمة
أحدث تلك الزيارات، جرت أمس الجمعة، بوصول عمران خان رئيس وزراء باكستان إلى المملكة العربية السعودية، ليعقد عقب وصوله مباحثات مع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع في الديوان الملكي بقصر السلام بجدة.
مباحثات وضح من خلالها وجود اتفاق وتوافق كبير في وجهات نظر الدولتين تجاه مختلف القضايا، حيث جرى خلال الجلسة التأكيد على عمق العلاقات بين البلدين الشقيقين وأهمية توسيع وتكثيف آفاق التعاون والتنسيق الثنائي وتعزيزه في مختلف المجالات، وتبادل وجهات النظر بخصوص المسائل والقضايا التي تهم البلدين على الساحتين الإقليمية والدولية بما يسهم في دعم وتعزيز الأمن والاستقرار .
وناقش الجانبان سبل تقوية وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين من خلال استكشاف مجالات الاستثمار والفرص المتاحة في ضوء رؤية المملكة 2030، وأولويات التنمية في باكستان، وأكدا على رضاهما عن متانة العلاقات العسكرية والأمنية الثنائية، واتفقا على مزيد من التعاون لتحقيق الأهداف المشتركة بين البلدين.
وأكد الجانبان ضرورة تضافر جهود العالم الإسلامي لمواجهة التطرف والعنف ونبذ الطائفية، والسعي الحثيث لتحقيق الأمن والسلم الدوليين، وشددا على أهمية مواصلة الجهود المشتركة لمكافحة ظاهرة الإرهاب التي لا ترتبط بأي دين أو عرق أو لون، والتصدي لكافة أشكالها وصورها وأياً كان مصدرها.
كما أكد الجانبان دعمهما الكامل لكافة حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة بحدود ما قبل عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً لمضامين مبادرة السلام العربية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ودعمهما للحلول السياسية في سوريا وليبيا، وجهود الأمم المتحدة ومبعوثيها في هذا الشأن.
وأكد الجانبان أهمية دعم الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية استناداً إلى المرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بما فيها القرار (2216)، وإدانتهما لما تقوم به الجماعات والمليشيات الإرهابية ومنها مليشيا الحوثي من هجمات واعتداءات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على أراضي المملكة العربية السعودية ضد المنشآت الحيوية والأعيان المدنية.
وأعربا عن قلقهما البالغ من تهديد أمن الصادرات النفطية واستقرار إمدادات الطاقة للعالم.
وأثنى رئيس الوزراء الباكستاني على مبادرة المملكة العربية السعودية لإنهاء الأزمة في اليمن التي تهدف إلى تحقيق أمن واستقرار اليمن بما يعود على المنطقة وشعوبها بالخير والنماء.
وعقب جلسة المباحثات وقع ولي العهد السعودي ورئيس وزراء باكستان على اتفاق إنشاء مجلس التنسيق الأعلى السعودي الباكستاني لتعزيز العلاقات بين البلدين.
كما شهد الأمير محمد بن سلمان و رئيس وزراء باكستان مراسم توقيع اتفاقيتين ومذكرتي تفاهم ثنائية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية، لتعزيز العلاقات بينهما في عدة مجالات.
زيارات تعزز العلاقات
وتأتي زيارة عمران خان للمملكة بدعوة من ولي العهد السعودي ترجمة لحرص الجانبين على تعزيز العلاقات الاستراتيجية بينهما، والتنسيق المتواصل، وتكريس جهودهما نحو مختلف القضايا الإسلامية والدولية.
وكان الأمير محمد بن سلمان قد أجرى زيارة رسمية لباكستان عام 2019 م على رأس وفد رفيع المستوى من الوزراء.
كما كانت المملكة المحطة الأولى لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية عام ٢٠١٨، كما زارها أربع مرات عام ٢٠١٩، في دلالة على اهتمامه بتعزيز العلاقات مع المملكة وقيادتها.
وتأتي زيارته عمران خان الحالية استمراراً لنهج التشاور بين القيادتين حول القضايا الإقليمية والدولية لتعزيز العلاقات التاريخية الوطيدة القائمة بين البلدين.
وينبع أهمية التنسيق بين البلدين مما يشكلانه من ثقل على مختلف الصعد إسلامياً وإقليمياً ودولياً.
ويسهم التنسيق بينهما في القيادة بأدوار فاعلة في حل القضايا التي تواجهها الأمة الإسلامية على مستوى العالم كعضوين مؤسسين لمنظمة التعاون الإسلامي، إلى جانب مساعيهما من أجل السلام والأمن الإقليمي والعالمي ، ملتزمين بمواصلة مكافحة التطرف والإرهاب، ودعمهما المجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته حيال تضافر الجهود الدولية كافة لمحاربته.
ومع إنشاء مجلس تنسيق أعلى يرتقب أن ترتقي العلاقات بين البلدين لمستوى "الشراكة الاستراتجية" وتعزيز علاقاتهما على جميع الأصعدة السياسية، والعسكرية والأمنية، والاجتماعية، والتنموية، بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين والأمة الإسلامية .
علاقة قوية.. لغة الأرقام
على الصعيد الاقتصادي، وجود آفاق وفرص واعدة للتعاون الاقتصادي بين السعودية وباكستان في ظل رؤية 2030، وما تتضمنه من برامج ومبادرات لجذب الاستثمارات الأجنبية وتنويع الاقتصاد وتعزيز الشراكات التجارية مع الشركاء الدوليين، فضلاً عن الفرص الاستثمارية المتاحة في باكستان والتسهيلات والحوافز التي تقدمها للمستثمرين الأجانب والسعوديين على وجه الخصوص، وخطط الإصلاح الاقتصادي التي تتبناها بما في ذلك خصخصة العديد من القطاعات الاقتصادية.
بلغة الأرقام وصل حجم التبادل التجاري بين المملكة وباكستان الذي لنحو 11.3 مليار ريال عام 2019 وسط طموحات أن يتزايد خلال الفترة القادمة.
وتهتم المملكة بتنمية وازدهار باكستان، حيث قدم الصندوق السعودي للتنمية العديد من المساعدات التنموية، منها تقديم 20 قرضاً تنموياً للإسهام في تمويل تنفيذ 17 مشروعاً تنموياً في قطاعات الطاقة والسدود والمياه والصرف الصحي والنقل والبنية التحتية بقيمة 3.5 مليارات ريال، وتقديم عمليات تمويل وضمان صادرات بقيمة 17.6 مليوناً، وتمويل دعم استيراد باكستان مشتقات نفطية سعودية بقيمة 270 مليوناً، وتخصيص ثلاث منح بقيمة 1.250 مليار لتمويل مشروعات إعادة الإعمار وتأهيل المناطق المتضررة من الزلازل، إلى جانب الدعم الإضافي المستمر لباكستان - عن طريق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية - لمواجهة الآثار المدمرة للزلازل.
الإمارات وباكستان
وتأتي زيارة عمران خان إلى السعودية بعد نحو أسبوعين، من زيارة شاه محمود قريشي وزير خارجية باكستان في 19 أبريل/نيسان الماضي إلى أبوظبي، وإجرائه مباحثات مع الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية و التعاون الدولي الإماراتي.
وبحث الجانبان العلاقات الإماراتية - الباكستانية وسبل تعزيزها وتنمية وتطوير أوجه التعاون المشترك في المجالات كافة ومنها التجارية والصحية والاقتصادية.
وأكد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان عمق العلاقات التي تجمع دولة الإمارات وجمهورية باكستان الإسلامية وتستند إلى تاريخ طويل من العمل المشترك والثقة والاحترام المتبادل.
وأشار إلى الحرص على تنمية وتطوير التعاون المشترك بين البلدين الصديقين في المجالات المختلفة بما يخدم مصالحهما المشتركة ويعود بالخير على شعبيهما.
وتناول الجانبان التعاون بين البلدين في مواجهة تداعيات جائحة "كوفيد - 19" إضافة إلى سبل تعزيز العمل الدولي الجماعي لمعالجة آثار الجائحة وضمان توفير لقاحات المرض إلى كافة الدول.
واستعرض الجانبان مشاركة جمهورية باكستان الإسلامية بمعرض إكسبو 2020 دبي الذي تستضيفه دولة الإمارات ويفتتح أعماله شهر أكتوبر المقبل.
العلاقات الخليجية الباكستانية
على صعيد العلاقات الخليجية الباكستانية، فترتكز على قاعدة عريضة من المصالح المشتركة والروابط الثقافية والدينية والشعبية، وسط سعي متبادل من قادة الجانبين إلى تطويرها.
وشهدت تلك العلاقات نقلة نوعية بعد توقيع مذكرة تفاهم للحوار الاستراتيجي بين الجانبين في الاجتماع الوزاري المشترك الأول للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون وجمهورية باكستان بمدينة أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة في 8 مارس/آذار 2011.
وعقدت عدة اجتماعات لاحقة أكد خلالها الجانبان اهتمامها بالحوار الاستراتيجي القائم بينهما، والذي يشمل المشاورات السياسية، والتعاون الاقتصادي والفني، والتواصل الثقافي.
وفي القمة الخليجية الأخيرة التي عقدت في محافظة العلا السعودية 5 يناير/كانون الثاني الماضي أكد قادة دول الخليج في البيان الختامي على إعطاء الأولوية لاستكمال مفاوضات التجارة الحرة وذلك تعزيزاً لعلاقات المجلس الاستراتيجية والاقتصادية مع الدول والمجموعات الإقليمية الأخرى وبما يحقق المصالح المشتركة، وكلف الأمين العام برفع تقارير دورية حول سير مفاوضات التجارة الحرة بين مجلس التعاون ودعة دول بينها باكستان.
كما وجه قادة دول الخليج باستكمال الإجراءات والخطط والبرامج اللازمة لتعزيز التعاون مع باكستان.
وفي المقابل، أكدت الخارجية الباكستانية في تصريحات سابقة أن الحكومة الباكستانية تركز على بناء الشراكة الاقتصادية والاستثمارية القوية مع دول الخليج والشرق الأوسط.
وأشارت إلى الإنجازات التي حققتها حكومة بلادها بهذا الصدد بما فيها الاستثمارات بقيمة 20 مليار دولار أمريكي من قبل المملكة العربية السعودية في باكستان، والشراكة الاقتصادية الاستراتيجية طويلة الأمد مع دولة الإمارات العربية المتحدة.