محاولات قطر لـ"تسييس الحج"، وتوظيفها ضمن أدوات إدارة الأزمة مع السعودية والرباعي العربي بوجه عام لن تنجح
لا يتوقف نظام الحمدين عن افتعال الأزمات ويواصل رهاناته الخاسرة التي تكشف عن غياب في الرؤية وعدم التعلم من دروس الماضي القريب، فللعام الثاني على التوالي يحاول تسييس شعائر الحج ويمنع القطريين من أداء هذه الفريضة، بل ويحجب الموقع الذي خصصته المملكة العربية السعودية لاستقبال طلباتهم للتسجيل مباشرة لأداء مناسك الحج دون اللجوء للسلطات القطرية، ما يكشف عن نيته المبيتة لتسييس الحج، والالتفاف على كل الخطوات التي أعلنت عنها المملكة لتيسير ممارسة شعائر الحج أمام الأشقاء القطريين.
لا شك في أن تعمد نظام الحمدين منع الأشقاء في قطر من أداء فريضة الحج يشكل جريمة إنسانية وأخلاقية ترفضها كل المواثيق والقوانين الدولية، تندرج ضمن ما يسمى بـ"الاضطهاد الديني"، وتثبت أن هذا النظام الذي كثيراً ما يرفع شعارات حقوق الإنسان، هو أبعد ما يكون عنها
وفي الوقت الذي يواصل فيه تنظيم الحمدين إطلاق مزاعمه باستمرار العراقيل والمعوقات وعدم اتخاذ الجانب السعودي أي خطوات إيجابية من شأنها تمكين المواطنين والمقيمين في قطر، من ممارسة حقهم في أداء شعائرهم الدينية، فإن السلطات السعودية أعلنت عن سلسلة من الإجراءات التي من شأنها التيسير على الأشقاء القطريين لممارسة شعائر الحج، لتثبت للعالم أجمع من هو الذي يجرم بحق شعبه، ويعمل على إضاعة الوقت لتفويت الفرصة أمام القطريين من أداء فريضة الحج، وليس أدل على ذلك من تعمد السلطات القطرية المختصة عدم الرد - خلال المدة المتفق عليها مع المملكة العربية السعودية - على محضر الاتفاق المقدم لأجل التنسيق في موسم الحج، بل وأطلق تنظيم الحمدين حملة إعلامية مغرضة للنيل من المملكة والتشكيك في إدارتها مراسم الحج، كما كانت تفعل إيران، الحليف الرئيسي لقطر، طيلة السنوات الماضية.
لا شك في أن تعمد نظام الحمدين منع الأشقاء في قطر من أداء فريضة الحج يشكل جريمة إنسانية وأخلاقية ترفضها كل المواثيق والقوانين الدولية، تندرج ضمن ما يسمى بـ"الاضطهاد الديني"، وتثبت أن هذا النظام الذي كثيراً ما يرفع شعارات حقوق الإنسان، هو أبعد ما يكون عنها، وأول منتهكيها، فالذي يمنع مواطنيه من أداء هذه الشعائر المقدسة هو بكل تأكيد نظام غير أمين على مصلحة شعبه، وغير حريص على ضمان حقوقه الرئيسية، وتحركه أهواء شخصية بعيداً عن مقتضيات مصالح شعبه وحقوقه الأساسية.
قطر تلعب بالنار حينما تتوهم أن بإمكانها تسييس شعائر الحج، وإقحامها ضمن أزمتها مع دول المقاطعة في محاولة للضغط عليها، لأن من يقدم على "تسييس" واحدة من أهم الشعائر الدينية وأحد أركان الإسلام الخمسة، وتوظيفها كأحد أدوات الابتزاز السياسي للخروج من أزمته مع دول الرباعي العربي، فإنما يؤكد أن تنظيم الحمدين يمارس نوعاً من "المراهقة" أو"المغامرة" السياسية غير محسوبة النتائج، خاصة أن هناك إجماع عربي وإسلامي ودولي على رفض تسييس الشعائر الدينية، لما قد يترتب عليها من إشعال الصراعات الدينية والفتن الطائفية المقيتة، التي تنطوي على تهديد واضح لأسس التعايش الديني والسلم الاجتماعي.
قطر، أو بالأحرى تنظيم الحمدين، يجهل حقائق التاريخ ودروس الماضي القريب، فكل محاولات تسييس الحج باءت بالفشل، وانكشف زيف الدعاوى التي تقف وراءها، لقد حاولت إيران منذ سنوات تسييس شعائر الحج وسعت إلى فرض أجندة سياسية ومذهبية على الحج، في محاولة منها لإحراج السعودية، باعتبارها لا تمتلك الكفاءة على إدارة الحج، بل وطالبت بتدويل الحج والإشراف على الحرمين الشريفين عبر مشاركة العديد من الدول الإسلامية، تشملها، أي إيران بالطبع، وهذا ما تفعله قطر الآن، ما يؤكد أنها تسير في ركب المشروع الإيراني لإثارة الفوضى الدينية والاضطرابات في المنطقة، وهذه المرة من بوابة "تسييس" شعائر الحج والمقدسات الدينية.
من تابع الخطاب القطري الرسمي، وأبواقه الإعلامية المغرضة، خلال الأيام الماضية يكتشف بوضوح أن تنظيم الحمدين بات أداة في أيدي إيران توظفه كيفما تشاء، وهذه المرة لإحراج المملكة العربية السعودية، وإعطاء انطباع للرأي العام الدولي بأن هناك حالة من التململ وعدم الرضا بشأن الكيفية التي تدير بها المملكة مراسم الحج والشعائر المقدسة. ولا شك في أن هناك توافقا في الرؤى بين الموقفين القطري والإيراني فيما يتعلق بتسييس الحج، والمطالبة بإشراف هيئة دولية على الحج، ولكل منهما أهدافه الخاصة من وراء ذلك، فإذا كانت طهران تسعى إلى تحقيق مكسب سياسي وسيادي في تزعم العالم الإسلامي عبر تدويل مراسم الحج والمشاركة أو السيطرة على إدارة الحرمين الشريفين، فإن قطر تسعى إلى "تحريك" أزمتها مع دول المقاطعة (الرباعي العربي) من نافذة "تسييس الحج"، على أمل أن تتدخل القوى الكبرى لإحداث اختراق حقيقي ينهي هذه الأزمة بعدما أدركت أن هذه الأزمة لم تعد في حسابات الرباعي العربي.
لكن محاولات قطر لـ"تسييس الحج"، وتوظيفها ضمن أدوات إدارة الأزمة مع السعودية والرباعي العربي بوجه عام لن تنجح ولن تجد أي تأييد لها، ليس فقط لأن سياسات تنظيم الحمدين باتت مكشوفة للجميع، لأنها تضر بمقتضيات الأمن القومي الخليجي والعربي والإسلامي وتستهدف إثارة الفرقة بين دول العالم الإسلامي، وإنما أيضاً لأن هناك في المقابل تأييد لإدارة المملكة العربية السعودية لمراسم الحج والشعائر الدينية، وتقدير لطبيعة الجهود التي تتخذها لتيسير شعائر الحج وخدمة حجاج بيت الله الحرام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة