أن تُطرح مبادرة ذات أبعاد سياسية؛ فلابد من أسباب تستوجب طرحها، وأن تكون قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.
أن تُطرح مبادرة ذات أبعاد سياسية؛ فلابد من أسباب تستوجب طرحها، وأن تكون قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وأن تصدر من جهة تحظى بالقبول من الأطراف ذات العلاقة بموضوع المبادرة.
قبل يومين طرح المعارض المصري معصوم مرزوق المنتمي للتيار الشعبي، الذي يقوده المرشح الرئاسي الأسبق حمدين صباحي، مبادرة على الشعب المصري لتغيير الحكم، عكست إلى أي مدى وصلت الفجوة بين النخبة السياسية المعارضة وبين الشعب المصري.
سيأتي يوم 31 الجاري من دون أن تحدث في مصر ثورة، ولن يخرج المواطنون يطالبون بعودة «الإخوان» والوجوه التي أسهمت في تخريب البلد لتحكم من جديد، وستتكرر ادعاءات «الإخوان» ومزاعم منصاتهم الإعلامية وأكاذيب حلفائهم بأن السيسي منع الجماهير من الاحتشاد في التحرير وأيضا لن يصدقهم أحد
تلك النخبة التي ظهرت على سطح الأحداث مع رياح وعواصف الربيع العربي، ثم تحالف بعض رموزها مع «الإخوان»، وانتظرت بعد ثورة الشعب المصري ضد حكم الجماعة أن يُسند لها دور أو تُمنح نصيبا من الحكم فوجدت نفسها خارج الصورة، ولم تنجح في كسب تأييد الشارع بل ظلت تخرج من فشل إلى إخفاق.
بالطبع حظيت المبادرة باحتفاء في أوساط «الإخوان» الذين لا يريدون إصلاحا أو فائدة لمصر، لكنهم يروجون دائما لكل فكرة أو إجراء أو نشاط يمكن أن يؤدي إلى فوضى أو ارتباك، لعل الظروف تتهيأ مجددا للعودة إلى السلطة. كرر المعارض المصري في مبادرته كلاما يردده ثورجية الفضائيات ونشطاء تحالفوا مع «الإخوان»، أو هاجروا من مصر واستقروا في قطر أو تركيا أو دول أخرى وتحولوا إلى إعلاميين ومقدمي برامج أو احترفوا العمل كضيوف في قنوات، تبث من الدوحة وقطر ولندن، ولم يلتفت إلى أن كلام هؤلاء، وعلى مدى سنوات، لم يؤتِ ثمارا ولم يحرك مواطنا مصريا واحدا، ربما احتفظ صاحب المبادرة بالأمل في أن تكون في طريقة عرضه لأحوال مصر ورؤياه للمستقبل أسبابا تجعل المواطن المصري يستجيب لدعوته حتى إن تهكم المواطن نفسه من قبل عشرات المرات على هذه الدعوات والتصرفات والسلوك! لكن الجديد هنا الدعوة لثورة سمّاها «اجتماعا شعبيا» في ميدان التحرير في اليوم الأخير من شهر آب (أغسطس) الجاري من دون الوضع في الاعتبار فشل كل دعوة أطلقت من قبل تحت مسميات مختلفة، كثورة الجوع أو جمعة الغضب، وبدا مرزوق وكأنه على يقين بأن الشعب سيستجيب لدعوته رغم أن التجارب السابقة تؤكد وتجزم أن الشعب المصري تخطى مرحلة الاستجابة لأي تحريض أو سلوك قد يودي إلى فوضى يمكن أن تأتي بـ«الإخوان» مجددا إلى واجهة الأحداث.
اللافت هنا على رغم ترحيب «الإخوان» وبعض الثورجية بالمبادرة؛ فإن بعض المتشددين ممن ينتظرون عودة محمد مرسي إلى المقعد الرئاسي يوم الأحد، أو هؤلاء الذين يصدقون كلام «الإخوان» عن أن «الانقلاب يترنح» اعترضوا على مبادرة مرزوق من زاوية أنه ربط تنفيذ يوم الثورة (نهاية الشهر) بقبول أو رفض الحكم للمبادرة! أو أنه، وهو المعروف بانتمائه إلى التيار الناصري، لم يضمن في مبادرته بندا يتعلق بعودة مرسي إلى الحُكم!
يمكنك أن تختلف أو تتفق مع السيسي، أن تؤيد سياساته أو تعارضها، حتى أن تحبه أو تكرهه، لكن مبادرة كتلك أكدت كيف أصبحت النخبة المعارضة خارج سياق المنطق، ليس فقط لأن من بين بنودها إطلاق «الإخوان» من السجون، بل مكافأتهم ومنحهم تعويضات! أو لأن رؤية الرجل للمستقبل تقوم على تشكيل مجلس حكم انتقالي رئاسي جماعي حزبي سياسي قضائي! ولكن لأن كل متابع لأحوال الشعب المصري أو دارس لخصائص المجتمع والتغيرات التي طرأت عليه، منذ زوال حكم «الإخوان»، يدرك تماما أن المصريين لن يقبلوا بأي حال أن يحكمهم مجددا من شارك في قتلهم وهدد أمنهم وتحالف مع أعدائهم وسلط عليهم الإرهابيين وفجر مؤسساتهم وحرق منازلهم، ولن يستجيبوا أبدا لمبادرة أو دعوة أو اقتراح تروج له قنوات داعمة «للإخوان» تسعى على مدى سنوات إلى هدم الدولة المصرية على من فيها.
سيأتي يوم 31 الجاري من دون أن تحدث في مصر ثورة، ولن يخرج المواطنون يطالبون بعودة «الإخوان» والوجوه التي أسهمت في تخريب البلد لتحكم من جديد، وستتكرر ادعاءات «الإخوان» ومزاعم منصاتهم الإعلامية وأكاذيب حلفائهم بأن السيسي منع الجماهير من الاحتشاد في التحرير وأيضا لن يصدقهم أحد، فالناس في مصر لفظوا «الإخوان» وطووا صفحة ذلك التنظيم وصاروا أكثر حرصا على بلدهم من أصحاب المبادرات ودعاة الثورات.
نقلا عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة