الجانب الأهم في حديث السيدة عالية غانم عن ولدها هو حديثها عن تجنيد جماعة «الإخوان» لولدها في مرحلته الجامعية.
للمرة الأولى منذ سنواتٍ طويلةٍ، خرجت والدة الإرهابي الأكبر أسامة بن لادن عن صمتها وتحدثت عن علاقتها بابنها وهي علاقة أمٍ طبيعية لا تصدق سوءا في ابنها حتى ولو كان زعيم تنظيم «القاعدة»، ناشر الإرهاب والخراب بنفسه.
الجانب الأهم في حديث السيدة عالية غانم عن ولدها هو حديثها عن تجنيد جماعة «الإخوان» لولدها في مرحلته الجامعية في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة على يد «الإخواني» الفلسطيني العتيد عبدالله عزّام، الأب الروحي للأفغان العرب، وشيخ وقائد ورائد أسامة بن لادن، واعتبرت أن ابنها تعرّض لعملية «غسيل للمخ في مرحلة العشرينيات من العمر، وأصبح شخصاً آخر»، وما لم تعرفه أم أسامة أن ذلك لم يكن فقط بتأثير عبدالله عزام، ولكن أيضاً تمّ عن طريق «إخوان الحجاز» التنظيم الإخواني الأنشط داخل السعودية بين التنظيمين الآخرين التابعين لجماعة «الإخوان» داخل السعودية كتنظيم «إخوان الرياض» أو ما يسمّى بـ «القيادة العامة» وكذلك «تنظيم إخوان الزبير».
في تحالف تنظيم «القاعدة» مع إيران استمرار لفكر «الإخوان» الممجّد لثورة الخميني والمتحالف معها من قبل ومن بعد، ومع دولة قطر ومع مشروع تركيا الأصولي في المنطقة، وهو ما كان تنظيم «القاعدة» يحرص على إخفائه عن الأتباع المؤدلجين والمتشددين.
جاءت تصريحات والدة ابن لادن فيما نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية، وترجمته عنها العديد من وسائل الإعلام العربية، وهو اعتراف مهمٌ لأن والدته كانت تراقبه حين كان طفلاً وشاباً يافعاً، وتعلم حجم التأثير الذي مارسته عليه جماعة «الإخوان»، وحجم غسيل المخ والعزلة الشعورية وتعبئته بمفاهيم الجماعة الكبرى، من الحاكمية إلى الجاهلية إلى المؤامرة الغربية ضد الإسلام ونحوها من المفاهيم التي أوصلته ذهنياً أولاً وتنظيمياً ثانياً إلى بناء تنظيم «القاعدة»، التنظيم الإرهابي الأخطر في العقود الثلاثة الأخيرة.
كتب كثيرون عن علاقة ابن لادن بجماعة «الإخوان»، وعلاقته بعبدالله عزام وبتنظيم «إخوان الحجاز» معروفةٌ، وقد تمّ طرده من التنظيم بعدما تجرأ على الدخول إلى أفغانستان بينما كانت أوامر التنظيم له هي إيصال المساعدات والعودة، وقد ذكر هذا أيمن الظواهري في سلسلة مقاطع فيديو نشرها بعد اغتيال بن لادن، وبعدما قوي تنظيم «القاعدة» وكثر أتباعه، اجتمع به «مصطفى مشهور» مرشد جماعة «الإخوان»، وعضو بارز في التنظيم الخاص، وأحد تلامذة سيد قطب المشهورين، وقال له: «خرجت من إخوانك وتعود لإخوانك» ولكن بن لادن رفض العرض لاعتقاده أنه أبلغ تأثيراً من الجماعة وهو يسبقها.
من الجيد الوعي باختلافات جماعات الإسلام السياسي وتنظيمات العنف الديني للباحث والمتخصص، ولكن الأجود معرفة أنهم جميعاً يصدرون عن خطاب جماعة «الإخوان»، الخطاب المؤسس لكل العبث بالدين الإسلامي منذ تسعة عقود، فقد كان خروج خطاب الجماعة وانتشاره أكبر مهدد للإسلام كدينٍ هادٍ واستخدامه فقط كوسيلةٍ للوصول إلى السلطة، والتركيز على ما يسمّونه «الشريعة» فحسب، وإلغاء بقية أصول الدين وفروعه.
في تحالف تنظيم «القاعدة» مع إيران استمرار لفكر «الإخوان» الممجّد لثورة الخميني والمتحالف معها من قبل ومن بعد، ومع دولة قطر ومع مشروع تركيا الأصولي في المنطقة، وهو ما كان تنظيم «القاعدة» يحرص على إخفائه عن الأتباع المؤدلجين والمتشددين، ولكنه بعد افتضاحه، بات يلقى التبريرات المفصلة لدى جماعة «السرورية» في السعودية وغيرها، وتحديداً في الكتاب الأخير «المسلمون والحضارة الغربية» المنسوب لسفر الحوالي والذي يرى كاتب هذه السطور أنه من إعداد مجموعة صحوية متفرقة، فقد ظهر أن تهجم «سفر الحوالي» و«ناصر العمر» على الشيعة والصوفية داخل السعودية، إنما كان لأغراض إثارة الفتنة والبلبلة في الداخل، بينما هم مقتنعون بتحالف بن لادن مع إيران.
أخيراً، خرجت السيدة عالية غانم في الصور بملابس راقيةٍ تنمّ عن ذوقٍ رفيعٍ، وقدمت شهادةً للتاريخ وللعالم عن الجماعة والفكر الذي اختطف طفلها صغيراً وغرر به، وهو فكر جماعة «الإخوان».
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة