ما فعلته السعودية ليس بسبب قضية تبنتها وزيرة الشؤون الخارجية في كندا ولكنه مهم لتلقين الآخرين أن التدخل في شؤون الدول يستحق الرد القاسي
تبعد الرياض عن تورونتو في كندا 10628 كيلومترا، وهذه المسافة الكبيرة كفيلة بأن تثير تساؤلا مهما: لماذا تعمد كندا إلى التدخل في الشؤون الداخلية السعودية؟، وهل هناك دوافع يمكن فهمها لهذا التصرف..؟.
من الواضح أن القضية تتجاوز موقف الدولة الكندية التي كما يبدو، أصبحت ممرا سهلا للكثير من التعاملات غير واضحة المعالم، تاريخ كندا في قضايا اللجوء وقضايا الدفاع عن الحقوق هو تاريخ جديد، ولم تكن كندا ضمن الدول التي يمكن اعتبارها موطنا للاجئين تاريخيا، وهنا السؤال الآخر: لماذا تثير كندا هذه القضية تحديدا ضد السعودية.
ما فعلته السعودية ليس بسبب قضية تبنّتها وزيرة الشؤون الخارجية في كندا، ولكنه مهم لتلقين الآخرين أن التدخل في شؤون الدول يستحق الرد القاسي، مهما كانت نتائج هذا الرد، فكندا تتجاهل بتعمد الإجراءات النظامية والحقوقية والاستقلال التام لمؤسسات المملكة القضائية من أجل إثارة قضية حقوق الإنسان.
لدى السعودية تعاون اقتصادي وعسكري وتعليمي كبير مع كندا، حيث يوجد ما يقارب من 15 ألف سعودي في كندا، وصفقات أسلحة تقدر بالمليارات، فمن يقف خلف محاولة تأزيم العلاقة مع السعودية بهذه الطريقة..؟، هل يقف أشخاص أو دول في محاولة تأزيم هذه العلاقة من خلال بوابة حقوق الإنسان التي لا تعرف عنها كندا أية معولومات دقيقة وواضحة؟
السعودية عمرها يقترب من 4 قرون، لذلك عندما تتصرف السعودية فهي تعرف ماذا تفعل، بينما كندا لم تنل استقلالها عن بريطانيا سوى في العام 1931م، وهذه المقارنة تشرح كيف يكون تاريخ الدول عاملا مؤثرا في تعاطيها مع القضايا التاريخية، فخلال المائة سنة الماضية تمكنت السعودية من الالتزام والتوقيع على معاهدات حقوق الإنسان التي تبنتها الأمم المتحدة، وأسهمت في إنشاء هيئة وطنية مستقلة خاصة بحقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني.
القضية التي تجدر الإشارة إليها هي أن كندا عليها أن تنظر للدول من خلال تاريخها ومشاركتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، وقدرتها على تبني مواقف واضحة في هذا المجال، والسعودية دولة تلتزم تجاه الأمم المتحدة في هذا الشأن عبر تاريخها، أما إذا كان الموقف يتخذ من مسألة حقوق الإنسان عنوانا كبيرا بينما الهدف شيء آخر فهذه قضية أخرى.
ما فعلته السعودية ليس بسبب قضية تبنّتها وزيرة الشؤون الخارجية في كندا، ولكنه مهم لتلقين الآخرين أن التدخل في شؤون الدول يستحق الرد القاسي، مهما كانت نتائج هذا الرد، فكندا تتجاهل بتعمد الإجراءات النظامية والحقوقية والاستقلال التام لمؤسسات المملكة القضائية؛ من أجل إثارة قضية حقوق الإنسان، وللعلم يسكن السعودية أكثر من 12 مليون شخص هم غير سعوديين، ومن أكثر من سبعين دولة، ألا تعلم كندا هذه المعلومة؟ وكيف يحصل هذا العدد الهائل على حقوقه دون شكوى من أية دولة من دولهم بما في ذلك الجالية الكندية؟
السياق السياسي بين السعودية وكندا لا يعطي أيّا منهما التدخل بالشؤون الداخلية، ولكن الدولة الكندية تجاوزت هذا السياق بكل تهور، ولذلك عليها أن تتوقع الرد القاسي والمناسب من دولة ذات سيادة، ولديها شعب يدرك ما تقوم به دولته.
لقد أخطأت كندا في تقديراتها السياسية والدبلوماسية ولم تتعلم من التاريخ آليات تعامل السعودية مع مثل هذه المواقف، والغضب السعودي لن يكون أقل مسافة من الكيلومترات التي تفصل الرياض عن تورونتو، وعلى الحكومة الكندية تدارك هذا الخطأ الجسيم في حق سياستها الخارجية وعلاقاتها مع الدول.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة