السعودية والإمارات.. شراكة استراتيجية تعزز العلاقات الأخوية
تتميز العلاقات الإماراتية السعودية برابط "فريد" قائم على الأخوة والشراكة الاستراتيجية، التي تكشف عن المصير المشترك بينهما.
هذا الرابط عبر عنه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، حيث قال: "علاقاتنا الاستراتيجية نمضي فيها معاً بقوة وإرادة صادقة في إطار من الأخوة والثقة والمصير المشترك".
وقال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: "التقيت اليوم في جدة أخي الأمير محمد بن سلمان.. بحثنا علاقاتنا الاستراتيجية التي نمضي فيها معاً بقوة وإرادة صادقة في إطار من الأخوة والثقة والمصير المشترك".
وأردف: "تبادلنا الرؤى بشأن العديد من القضايا الإقليمية والدولية وتكثيف التعاون في مواجهة التحديات وتعزيز الاستقرار في المنطقة".
ووصل جدة، الأربعاء، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وكان في استقباله لدى وصوله مطار الملك عبدالعزيز الدولي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.
زيارة ومباحثات تتوجان مسيرة حافلة من التنسيق، وتعززان العلاقات النوعية والشراكة الاستراتيجية بين البلدين التي تمضي إلى آفاق أرحب وتعاون أوسع.
علاقات تاريخية
وتوثقت العلاقات بين البلدين بدعم من الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
وتعمقت وتجذرت بإشراف ومتابعة من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، حتى أضحت العلاقات بين البلدين نموذجاً يحتذى في العلاقات بين الدول.
وبتوجيهات قادة البلدين، مضت مسيرة التعاون بين البلدين نحو تعزيز الشراكة وتحقيق التكامل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، بما يسهم في تحقيق الخير والرفاهية لشعبي البلدين، ومواجهة التحديات في المنطقة وعلى رأسها مكافحة الإرهاب، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
مأسسة التعاون
وفي أول خطوة لتفعيل بنود الاتفاقية الموقعة بين البلدين بإنشاء المجلس، ووضع خارطة طريق له على المدى الطويل ليكون النموذج الأمثل للتعاون والتكامل بين الدول، استضافت أبوظبي في 21 فبراير/شباط 2017 أعمال الخلوة الاستثنائية المشتركة بين البلدين تحت اسم "خلوة العزم".
واستضافت الرياض في 13 أبريل/نيسان 2017 أعمال جلسات المجموعة الثانية لخلوة العزم، بمشاركة أكثر من 200 مسؤول من حكومتي البلدين، وخبراء في القطاعات المختلفة، إضافة إلى ممثلي القطاع الخاص.
ويوم 7 يونيو/حزيران 2018، عقد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي في مدينة جدة برئاسة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والأمير محمد بن سلمان.
ورفعت دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية خلال هذا الاجتماع مستوى العلاقات الثنائية بينهما إلى مراحل غير مسبوقة اشتملت على رؤية مشتركة للتكامل بين البلدين اقتصادياً وتنموياً وعسكرياً عبر 44 مشروعاً استراتيجياً مشتركاً ضمن "استراتيجية العزم" التي عمل عليها 350 مسؤولا من البلدين من 139 جهة حكومية وسيادية وعسكرية وخلال 12 شهرا.
وشهد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق المشترك توقيع 20 مذكرة تفاهم لتعزيز التكامل السعودي الإماراتي في مختلف المجالات، وإطلاق حزمة من المشاريع الاستراتيجية.
ويوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عقد الاجتماع الثاني للمجلس في أبوظبي وترأسه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والأمير محمد بن سلمان.
وشهد هذا الاجتماع تبادل 4 مذكرات تفاهم في مجالات الصحة والثقافة والفضاء والغذاء واستعراض 7 مبادرات استراتيجية.
وتتضمن المبادرات السبع كلاً من التأشيرة السياحية المشتركة، وتسهيل انسياب الحركة بين المنافذ الجمركية، واستراتيجية الأمن الغذائي المشتركة، والأمن السيبراني، والعملة الرقمية المشتركة، ومشروع المصفاة العملاقة الجديد، ومجلس الشباب السعودي - الإماراتي.
نقلة نوعية
وفي 13 مايو/آيار 2019، وقعت الإمارات والسعودية بالرياض اتفاق الاعتراف المتبادل ببرنامج المشغل الاقتصادي المعتمد بين البلدين، بهدف تعزيز التعاون الجمركي وتسهيل حركة التجارة البينية وتسريع معدلات التبادل التجاري.
وفي إطار جهودها المتواصلة لتفعيل آليات العمل المشترك بين البلدين الشقيقين، استضافت وزارة المالية الإماراتية في مقرها في إمارة دبي، يناير/كانون الثاني 2020، الاجتماع الأول لفريق العمل السعودي الإماراتي المشترك المنبثق عن مجلس التنسيق.
ويعتبر هذا الاجتماع منصة فعالة تمكن الطرفين من بحث كافة التحديات التي قد تؤثر على تفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري المشترك بين البلدين.
تعاون رغم كورونا
وفي 24 أكتوبر الماضي، عقد اجتماع افتراضي بين وزراء الاقتصاد في البلدين، بحث أوجه التعاون الإماراتي السعودي في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية خلال المرحلة المقبلة مؤكدين الدور الاستراتيجي الذي يؤديه مجلس التنسيق السعودي الإماراتي كمنصة رئيسية لدفع وتخطيط جهود ومبادرات الشراكة والتعاون بين البلدين وفق رؤية طويلة الأمد.
واتفق الجانبان على تشكيل فريق عمل مشترك إماراتي – سعودي يختص بالتنسيق في مجالات الاستثمار والابتكار وريادة الأعمال والتجارة الخارجية، وذلك لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري ودعم الجهود التنموية للبلدين.
وفي 5 يناير الماضي ناقش مجلس الإسكان السعودي الإماراتي - أحد مبادرات مجلس التنسيق السعودي الإماراتي - خلال اجتماعه الثالث الذي عقد عن بعد عددا من الخدمات الإسكانية ومتابعة سير العمل في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية المرتبطة بقطاع إسكان المواطنين بما يحقق تطلعات القيادة الرشيدة ويخدم المصالح المشتركة للبلدين الشقيقين .
وفي 24 من الشهر نفسه، عقدت أمانة اللجنة التنفيذية لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي اجتماعا عبر تقنية الاتصال المرئي تناول عدة مواضيع تخص مستقبل المجلس وأهم الأهداف المرجو تحقيقها خلال الدورة الثانية للمجلس.
وأثنى الاجتماع على الإنجازات التي تحققت خلال الفترة الماضية لافتا إلى أهمية التعاون في تحقيق المزيد من الإنجازات خلال الفترة القادمة خصوصاً في ظل تداعيات جائحة "كوفيد-19".
لغة الأرقام
ويعد حجم التبادل التجاري بين دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية الأعلى بين دول مجلس التعاون الخليجي، بقيمة إجمالية بلغت 113.2 مليار درهم /نحو 31 مليار دولار/ في عام 2019، بنمو نسبته 5% مقارنة بعام 2018، وتعد المملكة ثالث أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات على مستوى العالم، والشريك الأول عربياً.
كما تعتبر المملكة العربية السعودية الوجهة الأولى للصادرات غير النفطية لدولة الإمارات على مستوى العالم، والوجهة الأولى عالمياً أيضاً لإعادة التصدير من دولة الإمارات، وثامن أكبر مصدِّر لدولة الإمارات عالمياً. بالمقابل، شكلت دولة الإمارات ثالث أكبر سوق للصادرات السعودية عالمياً، واحتلت المرتبة الثانية عالمياً بين الدول المصدِّرة للمملكة عام 2019.
ويتجاوز رصيد الاستثمارات السعودية المباشرة في دولة الإمارات حاجز الـ 16 مليار درهم، فيما تأتي دولة الإمارات في طليعة الدول المستثمرة في المملكة بقيمة إجمالية تزيد على 34 مليار درهم تعكس نشاط ما يقارب 122 مشروعاً استثمارياً لما يزيد على 65 شركة ومجموعة استثمارية بارزة في دولة الإمارات تنفذ مشاريع كبرى في السعودية.
ويمتلك البلدان أكبر اقتصادين عربيين، كما أنهما يعدان من أهم الدول الـ 10 المُصدرة عالمياً، بإجمالي قيمة صادرات من السلع والخدمات تقترب من 750 مليار دولار في عام 2018.
صمام أمان
على صعيد السياسة الخارجية، تتبنى الدولتان مواقف مشتركة إزاء القضايا العربية والخليجية والإقليمية والدولية، حيث تعملان على تعزيز العمل العربي المشترك، وصون مسيرة مجلس التعاون الخليجي، ومكافحة الإرهاب.
إلى جانب تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، والتصدي للتدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية، وتعملان على إيجاد حلول دائمة لأزمات ونزاعات المنطقة المختلفة.
وعلى أرض الواقع، اتخذت الدولتان موقفا مشتركا من الأحداث التي شهدتها بعض الدول العربي في أعقاب ما عرف باحتجاجات الربيع العربي عام 2011، بدعم استقرار هذه الدول ضد التنظيمات الفوضوية.
وامتدادا للعلاقات التاريخية الاستراتيجية بين السعودية والإمارات، شكّل البلدان نموذجا في مواجهة التحديات وصل إلى حد الشهادة التي امتزجت فيها دماء أبناء البلدين دعما للشرعية في اليمن، في إطار تحالف يستهدف دحر الإرهاب ومواجهة التطرف.
وتمثل العلاقة السعودية الإماراتية صمام أمان ليس للبلدين فحسب، بل للمنظومة الإقليمية برمتها، كونهما يجسدان قيم الاستقرار والتنمية، كما يمثلان منطق العقلانية السياسية ومفهوم الدولة الحديثة، في احترام القيم والتشريعات الدولية.
وأسهمت العلاقات الثنائية بين البلدين في تعزيز أمن واستقرار المنطقة والعالم، خاصة أن تاريخهما يمتلئ بالمبادرات لتسوية الخلافات العربية أو لدعم الدول العربية، حيث تحملا العبء الأكبر في التصدي لكل أشكال التدخلات الإقليمية في الشأن العربي ومحاولات زعزعة أسس الأمن والاستقرار في المنطقة، فضلا عن دورهما البارز في جهود مكافحة الإرهاب والتطرف والتي تحظى بتقدير المجتمع الدولي أجمع.