مع جولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز في المنطقة، وتحديدًا في مصر والأردن وتركيا، يمكن القول إن منطقتنا باتت تقترب من الهدوء المفقود منذ ما عُرف زورًا بـ"الربيع العربي".
صحيح أن لجولة ولي العهد أبعادًا اقتصادية من شأنها ترسيخ الاستقرار، وفي ظروف دولية سياسية واقتصادية حرجة، إلا أنه لا يمكن إغفال الجانب السياسي لتلك الزيارة، وعلى أصعدة عدّة.
اليوم يمكن القول إن المنطقة باتت أكثر اقترابًا من الهدوء المنشود في العلاقات الخليجية-الخليجية، وكذلك العلاقات العربية-التركية، وبشكل ملموس.
وبالطبع تبقى الحالة الإيرانية العصيّة بسبب إيران نفسها غير القادرة على أن تكون دولة إيجابية.
جولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هي تتويج لجهود الدولة في المنطقة مقابل جهود تخريب الجماعات التي حاولت تفتيت دولنا، وبدعم من إيران، وسذاجة اليسار غربيًّا، حيث إعلاء قيمة الدولة ومفاهيمها.
وربما ليس من باب المصادفة أن تعلن "حماس"، كما نقلت "رويترز" عن مصدرين في الحركة، عن قرار "بالإجماع" استئناف علاقاتها مع نظام بشار الأسد بعد عشر سنوات من القطيعة.
ونقول ليست مصادفة، وذلك بعد تحسن العلاقات التركية-الخليجية.
وعليه فإن التحركات، التي قام بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومنذ رئاسة السعودية لقمة العشرين، وبعدها الجولة الخليجية، وإعلان اتفاق العُلا، إلى هذه الجولة المهمة، تعني أن ولي العهد قام بتنقية الأجواء في المنطقة، وعزز مفهوم الدولة، وكذلك محور الاعتدال.
والأهمية الأخرى أن هذه الجولة تسبق القمة الخليجية -إضافةً إلى مصر والأردن والعراق- المرتقبة مع الرئيس الأمريكي الشهر القادم في السعودية، ما يعني توحيد الصفوف بشكل واضح مقابل التخريب الإيراني، وتعزيز فرص نجاح القمة مع الرئيس الأمريكي.
وكما أسلفنا، فإن هناك بُعدًا اقتصاديًّا لجولة ولي العهد لكل من مصر والأردن وتركيا، والاقتصاد هو أحد أهم عوامل الاستقرار السياسي، وتعزيز لغة المصالح في المنطقة بدلاً عن التصعيد والتوتر.
ولذلك فإن جولة ولي العهد السعودي هذه تأتي في توقيت مهم، ومُلحّ، بسبب التصعيد الإيراني المستمر في المنطقة، وأخطر بُعد فيه الآن هو الشق النووي، الذي يتسبب في تصعيد غير مسبوق بين إيران وإسرائيل.
كما يتسبب هذا التصعيد في حالة قلق دولية تزداد كلما اقتربنا من الانتخابات النصفية الأمريكية، ومع تواصل تصاعد الأزمة في أوكرانيا، والأمر المتوقع هو أنه كلما ازداد الضغط على إيران تكون المنطقة مقبلة على لحظة "شد عصب" خطرة.
كل ذلك يتطلب تنسيقًا خليجيًّا عربيًّا وهدوءًا في العلاقات مع تركيا، التي لها امتدادات في العراق وسوريا، ما يزيد من حالة الصدام التركي-الإيراني، خصوصًا مع الانكفاء الروسي في سوريا.
ولذا فإن جولة ولي العهد السعودي الخارجية هذه تمثل أهمية سياسية لا تقل عن أهميتها الاقتصادية، حيث ترسيخ العلاقات السعودية-المصرية، التي تمثل عمقًا مُهمًّا لكلتا الدولتين.
كما أن الزيارة تعزز العلاقات السعودية-الأردنية، وتُزيح العقبات أمام العلاقات مع تركيا، ما من شأنه تنقية الأجواء، وترسيخ العقلانية، ولغة المصالح.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة