تجهز الحكومة الإسرائيلية، التي تفكَّك ائتلافُها مؤخرا، لزيارة الرئيس "بايدن" عبر مقاربة سياسية واستراتيجية تتجاوز التقليديَّ لمثل هذه الزيارات لرؤساء أمريكا.
وهناك مساعٍ حقيقية لاستثمار الزيارة بصورة شاملة، في ظل اتفاق جمعي بين طرفيْ المعادلة السياسية في إسرائيل، سواء الحكومة الراهنة، أو المعارضة التي بدأت تستعد لجولة انتخابية جديدة، للتعامل بجدية مع زيارة "بايدن" على المستوى الثنائي، حيث خصوصية العلاقات الهيكلية بين واشنطن وتل أبيب، وأيضا على المستوى الإقليمي عبر تحركات إسرائيلية مهمة في المنطقة للتعامل مع مستجدات ما يجري عربيا وإسرائيليا.
ستعمل إسرائيل على تسويق برنامجها الدفاعي الصاروخي، الليزر متعدد المسارات، وهو نموذج دفاعي مقترح تعمل عليه إسرائيل منذ سنوات، ولكنه لم يدخل الخدمة، خاصة أنه يعالج ثغرات بعض البرامج الدفاعية الأخرى، كما تسعى إسرائيل لمراجعة برنامج تمويل "القبة الحديدية" بدعم أمريكي خارج برنامج المساعدات العسكرية، من خلال بند في موازنة الطوارئ.
وستطلب إسرائيل إضافات مالية لبرنامج "السماء الحمراء" و"حيتس/2"، وستؤكد حاجتها إلى دعم متواصل، وستوظف زيارة "بايدن" لحسم ملف التمويلات للبرامج الدفاعية المشتركة، والتي اعترض على بعضها الكونجرس، وقد تحتاج إسرائيل إلى قرار من الرئيس "بايدن" يتجاوز أي تحفظات للكونجرس، خاصة أن المبررات الإسرائيلية حول تعرضها لمخاطر حقيقية تلقى صدى وردَّ فعل أمريكي كبيرًا.
فداخليًّا، تجاوزت المخاطر في إسرائيل منطقة غلاف غزة إلى مناطق استراتيجية أخرى، كمطار "بن جوريون"، ما دفعها إلى تشغيل مطار بديل في بعض الأوقات، وهو مطار "رامون"، وديمونة ومناطق صناعية كبرى، إضافة لمخاطر الجبهة الشمالية، حيث "حزب الله" الإرهابي.
أما إقليميًّا، فإن إسرائيل -بصرف النظر عن حالة عدم الاستقرار وتفكك الائتلاف الحكومي الحاكم- تتخوَّف من مواجهات مباشرة مع إيران، ما يتطلب استراتيجية مُحكمة وتأمينَ سماواتِ إسرائيل، والتحرك من أعلى عبر استراتيجية تؤكد أن الخطر الإيراني يتطلب مراجعاتٍ دفاعية من خلال أنظمة تتجاوز ثغرات "القبة الحديدية".
ربما تطلب إسرائيل أيضًا، خلال زيارة "بايدن" المرتقبة، زيادة المساعدات العسكرية المُقدَّرة بـ39 مليار دولار على عشر سنوات منذ إدارة الرئيس باراك أوباما إلى 56 مليار دولار، على أن تموَّل من صندوق الخدمات الفيدرالية، ما سيمنح تل أبيب سرعة التعامل مع أزماتها الاقتصادية.
وفي ظل معاناة الاقتصاد الإسرائيلي من تبعات أزمتيْ كورونا وأوكرانيا، ربما يتجاوب الرئيس "بايدن" مع المطلب الإسرائيلي.. خاصة أن ارتدادات ما يجري في أزمة أوكرانيا شمل أغلب دول الإقليم، ولم يقتصر على إسرائيل.
وفي ظل محاولات أمريكية لجمع الشركاء في الإقليم تخوفًا من انحيازهم للحلف الروسي، أو التنصل ولو مؤقتا من شراكة استراتيجية مع واشنطن، خاصة في المجالات العسكرية والاستراتيجية المتعلقة بأمن الطاقة، وتوفير مظلة الأمن الجماعي المشترك في مواجهة التهديدات الإقليمية، تتحدث إسرائيل عن مخاطر التعامل مع إيران، مع تجمُّد مسار التفاوض الراهن حول الملف النووي، حيث منحها الفرصة لالتقاط الأنفاس للتعامل وفق الخطة B، والتي تقوم على استمرار متابعة وملاحقة إيران بسياسات غير مكلفة، في إطار حرب مفتوحة لن تتوقف، وإنْ كانت إسرائيل ستطلب من "بايدن" إجابات مباشرة حول آليات التعامل المباشر وغير المباشر مع إيران، حال استئناف المفاوضات.. على أن تُمنح إسرائيل تعهداتٍ أمنية مكتوبة للدفاع عن أمنها، مع السماح لها باستخدام القوة العسكرية لتأمين نفسها عند الضرورة.. ومن ثمَّ فإن الضغط الإسرائيلي سيمضي في إطار ترك الباب مواربًا للتعامل دون قيود أمريكية.
أيضا ربما تطرح إسرائيل رؤية للتعامل مع محيطها الأمني، وتطوير شراكتها الإقليمية، ما سيتيح لها حضورًا استراتيجيًّا لمواجهة المخاطر في المنافذ والممرات البحرية، وفي مناطق التماس التي تهدد أمن الإقليم، في ظل ما تقوم به أذرع إيران، فيما ستؤكد الحاجة إلى تعاون مشترك بقيادة أمريكية مباشرة، خاصة أن إسرائيل -ودول المنطقة- باتت عضوًا في القوة المركزية الأمريكية، ومن ثمَّ فإن التنسيق مطلوب لمواجهة أي تهديدات حقيقية يمكن أن تُطرح في المدى القصير، الأمر الذي يؤكد حاجة إسرائيل إلى دعم أمريكي، حيث تتحدث إسرائيل عن خطوات لتركيب الرادارات، وأجهزة الإنذار الاستراتيجي المشترك لمواجهة أي تهديدات واردة على أمن الإقليم من إيران، وتأسيس نظام دفاعي مشترك يقوم على التنبؤ والتحسب لأي مخاطر، وتحديد دور مباشر للولايات المتحدة في نطاق العمل الجماعي عبر تدابير وإجراءات أمنية واستراتيجية منضبطة.
ويتكامل التصور الإسرائيلي بدعوتها لإنشاء كيان يُعرف بدول البحر الأحمر عبر منتدى أو تجمع اقتصادي/استراتيجي، بما يخدم مصالح الدول المطلة على البحر الأحمر، ويقف في مواجهة أي تهديدات لإيران.
لا شك أن زيارة "بايدن" لإسرائيل ستعطي زخْما حقيقيا لـ"الدولة"، وليس لأي حكومة إسرائيلية محتملة، لذا تدعو جهات نافذة في إسرائيل -تحديدًا المؤسسة العسكرية- إلى ضرورة التوحد والتنسيق، تخوفًا من أي تداعيات سلبية حال ظهرت إسرائيل في وضع سياسي غير آمن، ما يتطلب تنسيق المعارضة والأغلبية تحت لواء الدفاع عن أمن إسرائيل وتنحية الخلافات الحزبية، واستثمار زيارة "بايدن" جيدًا، والعمل على حصد مكاسب قصوى منها على المستويات كافة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة