في خضم التوترات التي فجرتها تركيا في شرقي المتوسط، عقب اتفاقها الأحادي مع السراج في ليبيا.
وإرسال السفن إلى المناطق المتنازع عليها للتنقيب عن موارد الطاقة، تجري المناورات السعودية - اليونانية في خليج سودا بجزيرة كريت اليونانية باسم عين الصقر 1، ومع أن هذه المناورات عسكرية في طبيعتها إلا أنها تحمل رسائل سياسية بالدرجة الأولى، يمكن تلخيصها بضرورة اتباع الوسائل السلمية لتحقيق الاستقرار وحل الخلافات والنزاعات الجارية في المنطقة.
في الواقع، حمل توقيت هذه المناورات عدة رسائل، لعل أهمها:
1- مدى تطور العلاقات بين اليونان وعدد من الدول العربية ولاسيما السعودية والإمارات ومصر، ويعكس هذا التطور أهمية في العلاقات الإقليمية مع التطورات التي تعصف بالمنطقة، وضرورة التنسيق والتعاون في مختلف المجالات للحد من الاضطرابات والأزمات التي يشهدها الإقليم.
2- تعكس هذه المناورات مدى التقارب بين السعودية واليونان الذي جاء عقب تدخل تركيا في شؤون عدد من دول المنطقة، فسياستها الاستفزازية في شرقي المتوسط، وتدخلها العسكري في ليبيا وسوريا والعراق، ودعمها لجماعة الإخوان المسلمين التي تحولت إلى أذرع لها ضد الدول والشعوب العربية. كلها عوامل دفعت باليونان ومعظم الدول العربية إلى التقارب والتعاون والتنسيق في مواجهة التصعيد التركي.
3- هذه المناورات تشكل رغبة مشتركة في تبادل الخبرات العسكرية وتطوير القدرات الجوية ورفع الجاهزية القتالية حسب قائد التمرين السعودي المشارك في هذه العمليات العقيد عبد الرحمن بن سعيد الشهري، بما يعني كل ذلك الانتقال إلى مرحلة التخطيط الإقليمي ولاسيما في مجال العمليات الجوية.
4- إن هذه المناورات تكمل سلسلة المناورات السابقة التي أجرتها الإمارات واليونان في أغسطس/ آب الماضي، وكذلك تلك التي أجرتها كل من مصر واليونان وفرنسا وإسرائيل وقبرص خلال الشهور الماضية، وهي تعكس رغبة إقليمية مشتركة في التنسيق والتعاون والتحرك للحد من النزعة التصعيدية المحملة بالأحلام التوسعية.
5- لا يخفى على أحد في المنطقة والعالم إن المعنية الأولى بهذه المناورات هي تركيا التي وصلت في سياستها التصعيدية إلى حد نشر صحفها قبل فترة خرائط تضم معظم الدول العربية إلى جانب مناطق من اليونان وبلغاريا وغيرها من دول الجوار الجغرافي لتركيا، وعليه لم يكن غريبا أن يسارع أردوغان إلى التعبير عن امتعاضه من المناورات السعودية - اليونانية، والقول إنه سيبحث الأمر مع القيادة السعودية، علما بأن تصريحات المسؤولين الأتراك حملت تناقضات كبيرة بخصوص هذه المناورات، بين من استخف بها كما هو حال وزير الدفاع خلوصي أكار، وبين من ذهب إلى القول إنها تشكل تصعيدا وتهديدا إقليميا لتركيا، فيما حمل كثيرون أردوغان مسوؤليه ذلك بسبب سياساته الاستفزازية لدول الجوار والمنطقة.
أمام هذه الرسائل، قد يسارع البعض ولاسيما من يدافعون عن سياسة أردوغان إلى القول إن هذه المناورات ستقطع الطريق أو ستؤثر سلبا على المناخ الإيجابي للحديث التركي عن عزم أنقرة تحسين علاقاتها مع مصر ودول الخليج العربي، ولعل الجواب الواضح والمباشر على أصحاب هذا المنطق من التفكير، هو إن رسالة هذه المناورات هي سياسية بالدرجة الأولى، وهي جاءت أساسا بسبب التصعيد التركي ضد الجميع، وأنها تهدف إلى خلق حالة من الضغط لدفع تركيا إلى الكف عن تدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية وسياستها التصعيدية في شرقي المتوسط، إذ من دون هذه الخطوات لا يمكن الوثوق بالحديث التركي عن سياسة إيجابية وإمكانية فتح صفحة جديدة من العلاقات مع دول المنطقة، وقد كانت القاهرة واضحة في هذا المجال عقب رسائل الغزل التركي لها، عندما ربطت تحسين العلاقات مع أنقرة باتخاذ الأخيرة خطوات متوافقة مع القانون الدولي في العلاقات مع الدول، والكف عن احتضان قيادات الجماعات الإرهابية وعلى رأسها الإخوان المسلمين، وبهذا المعنى، فإن المناورات السعودية - اليونانية هي تعبير عن سياسة امتلاك الأوراق في وجه التصعيد التركي، ومحاولة لدفع أنقرة إلى تصحيح سياستها بعد أن فجرت أزمات كثيرة في المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة