السعودية دائما معنية باستقرار وسيادة العراق وعودته لعمقه العربي ومكانته في المجتمع الدولي وتأمل أن ينجح الكاظمي في تعزيز سلطة الدولة.
كان أمرا لافتاً الترحيب السعودي المبكر بحصول حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على ثقة البرلمان، حيث بعث له الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان برقيتي تهنئة، تمنيا له فيها كل التوفيق والنجاح، وللعراق النماء والاستقرار.
القيادة السعودية لم تكتفِ بهذا الموقف، وتبعه اتصال هاتفي مباشر بين الأمير محمد بن سلمان والسيد مصطفى الكاظمي، أعرب فيه ولي العهد السعودي عن "دعم المملكة لما يحقق للعراق نماءه وأمنه، وحرص المملكة على تقوية العلاقات بين البلدين"، تلاه إعلان من مكتب رئيس الوزراء العراقي عن تلقيه دعوة لزيارة السعودية.
وبالفعل اختار الكاظمي أن تكون الزيارة الأولى لنائبه علي علاوي إلى المملكة العربية السعودية، وهو وزير المالية والمكلف بوزارة النفط. وبعد اللقاءات المباشرة التي جمعت الوزير علاوي بعدة وزراء سعوديين، أعلنت السعودية وقوفها مع حكومة العراق الجديدة، وعزمها إعادة السفير السعودي إلى بغداد، بالإضافة إلى فتح ملحقية تجارية في بغداد.
السعودية دائما معنية باستقرار وسيادة العراق وعودته لعمقه العربي ومكانته في المجتمع الدولي.
الحقيقة أن من يتابع سياسة السعودية تجاه العراق، لا يستغرب هذا السلوك الدبلوماسي، الذي قصدت من خلاله الرياض توجيه رسالة إيجابية، مفادها أن السعودية دائما معنية باستقرار وسيادة العراق وعودته لعمقه العربي ومكانته في المجتمع الدولي. يضاف إلى ذلك، أن السعودية تأمل أن ينجح الكاظمي في تعزيز سلطة الدولة، وتوحيد السلاح بيد القوات النظامية، والحد من توغل المليشيات، التي باتت كيانا موازيا له بنفوذه ومصالحه ودورته الاقتصادية، كما علاقاته السياسية العابرة للحدود مع إيران وحزب الله اللبناني، وتنظيمات مسلحة أخرى في سوريا. هذه الشبكة الواسعة من التنظيمات، تعتبرها السعودية ذات أثر سلبي على الحكومة المركزية في بغداد وعلاقتها مع جيرانها، خصوصا أن بعض هذه التشكيلات، ومن خلال معسكرات التدريب التي تمتلكها، استضافت عناصر مناوئة للمملكة العربية السعودية، ووفرت لها تدريبا على السلاح والمتفجرات، في سنوات مضت. فضلاً عن الخطاب العدائي لبعض قادة هذه الميليشيات تجاه المملكة؛ وهو خطاب يجعل سير العملية السياسية والعلاقات البينية أكثر تعقيداً.
خلال الأسابيع الماضية من العهد الكاظمي، شاهدنا لمحات من عراق وطني جديد معتد بذاته وبجيرانه العرب، متطلعاً إلى محيطه، عراق يتعافى ويستحضر تاريخه التليد وثقافته العظيمة بعودته إلى حاضنته العربية، ولتكون الرياض العمق العربي والإسلامي بوابة لهذه العودة المنتظرة.
أما إيران فهي بالتأكيد تراقب هذه الخطوات السعودية الجادة والتي من شأنها أن تعيد العراق إلى محيطه العربي من جديد، ولذلك فإنها لن تترك الأمور تسير على نحو ما يشتهيه الطرفان، ولكن الرياض وبغداد أجمعا على اتباع سياسة حسن الظن رغم وجود مخاوف حقيقية وهواجس لا يمكن إنكارها. السعودية ستقف مجدداً مع حكومة الكاظمي من أجل عراق مستقر مستقل مطمئن، وليس عراقاً تابعاً لإيران، يصنع المشكلات لنفسه ولجيرانه، والكرة الآن في ملعب الكاظمي وحكومته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة