عالمية هذا الوباء منذ الأشهر الأولى لانتشاره ربما تكون مبررا لتوزيع الأدوية واللقاحات التي ستنتج له مجانا على جميع شعوب الأرض.
جميع دول العالم تقريباً قررت رفع الإغلاق الذي فرضته لمواجهته الجائحة، بعضها كانت خطواتها أسرع وأكبر من غيرها، ولكن كل الدول تقريباً قررت بين ليلة وضحاها أن تتعايش مع وباء كورونا المستجد وكأنه لن يزول أبداً، صاغت أولوياتها على أساس الوقاية من العدوى قبل العلاج واللقاح، وراهنت دون أية ضمانات، على التزام الناس بالتباعد الاجتماعي وإجراءات السلامة.
هذا الخيار بدا ملائما لسكان الدول التي تبنته، لم نشهد احتجاجات تطالب بإعادة إجراءات العزل والحظر الصحي، وإنما فاضت فطرة البشر بمبادرات فردية وجماعية لضمان التباعد الاجتماعي وتجنب الإصابة بالفيروس، وازدحمت منصات الإعلام التقليدي والجديد بهذه المبادرات التي تعكس قدرة الإنسان على التكيف والتأقلم مع جميع الظروف مهما بلغت شدتها.
بعد رفع الإغلاق ثمة من راح يتصرف وكأنه لن يصاب بالمرض أبداً، وآخرون باتوا يعتقدون أن الإصابة أخف وطأة من العزل، هذه الحالات ليست هي القاعدة، وإنما استثناءات لا تتجاوز حدود رد الفعل العفوي على أشهر الإغلاق المرهقة، والعيش تحت رهاب الموت الذي قد يتسلل عبر الهواء في أي فراغ كان، مهما بدا معزولا عن العالم الخارجي ونقيا في ذراته وحبيباته.
قرارات رفع الإغلاق تجاهلت المخاوف من عودة الوباء في موجة ثانية أشد فتكاً من الأولى، ولكن الحاجة إلى الحياة هي التي استدعت هذه القرارات وجعلتها منطقية، بالإضافة إلى أن تلك المخاوف لا تزال تفتقر إلى الأدلة العلمية الكافية، تماماً كما لا تتوفر أدلة علمية تجزم بأن فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة يمكن أن يقضي على الفيروس ويجعله يزول إلى الأبد.
عالمية هذا الوباء منذ الأشهر الأولى لانتشاره هي ما خلق الحاجة للبحث السريع عن علاج له، وربما تكون هذه العالمية مبررا لتوزيع الأدوية واللقاحات التي ستنتج له مجانا على جميع شعوب الأرض.
هناك توقعات لمنظمة الصحة العالمية ومتخصصين في دول عدة بأن يرافقنا المرض طوال حياتنا، يقولون إن فيروس كوفيد19 يمكن أن يتحول إلى زائر شتوي يأتينا كل عام بحلة جديدة، على غرار الإنفلونزا العادية التي تقتل كل عام أكثر من 650 ألف شخص حول العالم وفقا لتقديرات منظمة الصحة ذاتها، وبالتالي التعايش مع الوباء هو الخيار الوحيد المتاح أمام البشرية.
باختصار، أمام كل التخمينات والتوقعات حول حاضر الفيروس ومستقبله، كان لابد للعالم من رفع إجراءات الإغلاق بالتوازي مع عمليات البحث الدؤوبة والتجارب الحثيثة، للوصول إلى علاج ولقاح للمرض، ويجدر القول إن مساعي البحث عن دواء لهذا الوباء قد بدأت مبكراً جداً، مقارنة بأوبئة وأمراض انتشرت لفترات أطول قبل أن يبدأ العالم رحلة البحث عن علاج لها.
عالمية هذا الوباء منذ الأشهر الأولى لانتشاره هي ما خلق الحاجة للبحث السريع عن علاج له، وربما تكون هذه العالمية مبررا لتوزيع الأدوية واللقاحات التي ستنتج له مجانا على جميع شعوب الأرض، هي رغبة مفرطة بالتفاؤل مع التاريخ الطويل من الاحتكار للشركات الكبرى في صناعة الدواء، ولكن على الأقل هناك شركات وعدت بجرعات مجانية من لقاحها المرتقب.
هناك نحو 120 تجربة لقاح لفيروس كورونا المستجد حول العالم، بعضها تقوم بها مؤسسات بحثية كبرى وتحت رعاية شركات الأدوية العملاقة، وبعضها الآخر يجري في مراكز صغيرة لإثبات فعالية المصل أولاً، ومن ثم يبدأ المزاد على بيعه وجني أرباحه، تتردد أصداء كل التجارب في وسائل الإعلام يوميا، بإيجابية تارة وسلبية تارة أخرى، ولكن لا نتائج نهائية لأي لقاح.
ويبدو تأخر نتائج اللقاحات مطمئناً حتى الآن، لأن أي لقاح يحتاج إلى دورة حياة قد تمتد بين عامين إلى خمسة أعوام للتأكد من جودته وصلاحيته للاستخدام البشري، للعالم أخطاء في لقاحات لأوبئة وأمراض سابقة من الأفضل الاستفادة منها وعدم تكرارها، كذلك يجب العمل من الآن على إخراج أي لقاح للوباء من حسابات الربح والخسارة المادية في تصنيعه وتوزيعه.
ولأن الوصول إلى لقاح ناجع لفيروس كوفيد19 يحتاج إلى وقت طويل نسبياً، تعول كثير من دول العالم على علاجات تفيد في محاصرة المرض وتقليص تداعياته ومدة التعافي منه، هناك عشرات وربما المئات من التجارب تجرى في هذا المضمار، ولكن يبدو أن أقربها إلى التحقق في وقت قصير، هي محاولات العلاج بالأجسام المضادة المتكونة في دماء المتعافين من الفيروس.
هناك بعض الأدوية التي يتحدثون عن تأثير إيجابي لها في المراحل الأولى للمرض، ولكن يبدو أن تطور الفيروس والغموض الذي لا زال يكتنف بعض جوانب انتقاله ودورة حياته في أجسام البشر يحول دون الجزم بجدواها، خاصة وأن لكل دولة بروتكول دوائي خاص بها، ولديها أيضاً تجربتها الخاصة مع الفيروس الذي بات له درجات كثيرة من الشدة والطبيعة الجينية.
لا يستطيع جميع البشر مشاركة الباحثين والمختصين في تجاربهم لصناعة الدواء أو اللقاح للفيروس، لا بديل لهم عن انتظار النتائج التي نأمل أن تخرج إيجابية مع كل هذا التقدم العلمي الذي بات يتمتع به الإنسان اليوم، ولكن في جميع الحالات لا يعني الانتظار البقاء تحت رحمة الإغلاق والحظر لأعوام أو لأشهر، وإنما يعني التعايش مع أنماط حياة جديدة تقل فيها مستويات التواصل الاجتماعي عما عرفته البشرية سابقاً، ولكن لها أوجه إيجابية ستتجلى أكثر مع الوقت.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة