هي هكذا المملكة العربية السعودية، وستظل هكذا، أمينة على تحالفها مع أي دولة صديقة طالما كانت الأمانة والمصالح مشتركة وعلى قدم المساواة
بمناسبة احتفالية المملكة العربية السعودية بيومها الوطني الثامن والثمانين، وبمناسبة تغريدة الرئيس ترامب حول أسعار النفط وقوله لنا بأن الولايات المتحدة هي الحافظ لأمن منطقتنا، نُذكره بأن الأحوال تغيرت كثيراً، وأن المصالح المشتركة وحدها التي تبقي على العلاقة بيننا وبين الولايات المتحدة، فلا فضل لأحد على أحد.
وفي الماضي كان الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله – قدم موقفاً حازماً بدعم مصر والبحرين لمنع سقوطهما إبان ما سُمي بالربيع العربي، وكان ذلك موقفاً مستقلاً من أي تأثيرات خارجية، فتغيرت الأحوال، وكلنا نذكر المكالمة التي أجرتها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون مع وزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل لمنع المملكة من إرسال قوات «درع الجزيرة» للبحرين، فرد عليها - رحمه الله - بأن ذلك قرار مستقل وشأن داخلي.
هكذا المملكة العربية السعودية، وستظل هكذا، أمينة على تحالفها مع أي دولة صديقة طالما كانت الأمانة والمصالح مشتركة وعلى قدم المساواة، أما إنْ مالت الكفة، فإن العالم سيرى الوجه الآخر للمملكة العربية السعودية، وجه يمثله سلمان الحزم.
ثم اتخذت المملكة قراراً بدعم جمهورية مصر العربية لتخرجنا جميعاً من كماشة المشروع الأميركي الذي أراد لمصر السقوط، وأراد فرض القرار الأميركي ضد مصر، حينها تصدت المملكة العربية السعودية وساعدت ودعمت الإرادة الشعبية المصرية رغم تهديدات الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما، ورغم منع السلاح ووقف المساعدات؛ فقالت السعودية كلمتها وأسندت مصر ظهرها عليها.
حتى جاء سلمان الحزم واتخذ أجرأ قرار عسكري في عصرنا الحاضر حين دشن عهد الفعل لا رد الفعل، عهد الدفاع عن أمننا بأنفسنا؛ فانطلقت «عاصفة الحزم» التي أوقفت المد الإيراني، ذلك المد الذي جرى تحت سمع وبصر الولايات المتحدة التي سلمته العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، فأين كانت «الحماية الأميركية» حين ذاك؟
ينبغي أن نعلم أن المصالح تتغير والاستراتيجيات تتبدل وكذلك التحالفات؛ لذلك حين تهدد الأمن الخليجي واقترب هذا التهديد من حدود دولنا تم اتخاذ قرار تاريخي مستقل منعزل، بل مفاجئ للإدارة الأميركية بالتصدي للحوثي الوكيل الجنوبي لإيران، وباعتراف المسؤولين الأميركيين، «عاصفة الحزم» كانت قراراً مفاجئاً، لأنه قرار يخص أمن الخليج.
الأكثر من هذا، خرجت المملكة العربية السعودية من قيد الالتزام الحصري بشراء السلاح من الولايات المتحدة؛ فاشترت من فرنسا، وألمانيا، وروسيا، وإسبانيا، والهند، والصين، وفتحت أبواب الاستثمار للشرق كما فتحته للغرب بقرار تم اتخاذه أن تتنوع سلة الخيارات؛ لأن زمن الانتفاع الحصري للولايات المتحدة قد انتهى.
السعودية الآن وهي تحتفل بيومها الوطني الثامن والثمانين يرتكز حكمها أولاً على شرعية تاريخية هي بعمر الولايات المتحدة، فإن كان التاريخ الأميركي يبدأ من بعد حرب الاستقلال عام 1787م حين تأسس اتحاد الولايات لأول مرة، فإن الدولة السعودية الأولى تأسست عام 1744م، وإن كانت العلاقات الأميركية - السعودية توثقت حتى أصبح الاثنان أهم حليفين تربطهما مصالح مشتركة منذ منتصف الأربعينيات، وبسببها بقيت المنطقة آمنة، والنفط يتدفق بسلاسة ويسر، فذلك لأن الاثنين حفظا العهد واحترما عقد التحالف البيني، ولم يتعكر صفو ذلك التدفق إلا حين اتخذ الملك فيصل قراره التاريخي بوقف تصدير النفط حين «حجت حجاجيها»، أي حين تعرض أمننا القومي العربي للخطر؛ وذلك كي تعلم الولايات المتحدة ويعلم العالم أن هذه العلاقة تحفظ مصالح الاثنين طالما حفظ الطرفان مصالح بعضهما بعضاً، وأن تلك العلاقة التي عادت أقوى من ذي قبل بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة إلا حين راعت الولايات المتحدة مصالح السعودية؛ فهي علاقة قابلة للالتحام أو النقض تبعاً لمصالح الاثنين معاً، ولا شيء غير ذلك.
هي هكذا المملكة العربية السعودية، وستظل هكذا، أمينة على تحالفها مع أي دولة صديقة طالما كانت الأمانة والمصالح مشتركة وعلى قدم المساواة، أما إنْ مالت الكفة، فإن العالم سيرى الوجه الآخر للمملكة العربية السعودية، وجه يمثله سلمان الحزم وابنه وخلفهما يقف ليس الشعب السعودي فحسب، بل شرفاء العرب والأمة الإسلامية جمعاء.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة