الرياضة اليوم لم تعد مجرد ممارسة هواية أو وسيلة ترفيه، بل أصبحت صناعة عالمية متعاظمة تبنى على أسس متخصصة وتؤثر في مجالات مهمة كالاقتصاد والإعلام والسياسة، وتسهم في مؤشرات التنمية البشرية والاقتصاد، بل وأحياناً تعزّز العلاقات الدولية والإنسانية.
كما تعتبر الرياضة من ركائز القوة الناعمة للدول من خلال بُعدها الأساسي في استراتيجية بناء الصورة الذهنية للدول والشعوب، ومدّ جسور التواصل وتعزيز الأنشطة الثقافية والسياحية.
من زاوية اقتصادية، أصبحت الرياضة من نوافذ الاستثمارات المهمة حول العالم، فالاستثمارات الرياضية لم تعد سوقاً ناشئة -كما يعتقد البعض- بل صناعة مجدية بعوائد مالية ضخمة شبيهة بإيرادات الشركات الكبرى.
بلغة الأرقام، بلغ حجم إيرادات صناعة الرياضة عالمياً حوالي 800 مليار دولار، أي ما يعادل 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومن المتوقع أن تصل بحلول 2030 إلى 1.5 تريليون دولار.
في كرة القدم تحديداً بلغت القيمة السوقية لأغلى 10 أندية عالمياً 45 مليار دولار، في حين حظي 20 نادياً بصافي دخل تخطى 10 مليارات دولار في 2022.
هذا التحوّل الكبير في قطاع الرياضة هو ما وعته بمنهجية وعمق المملكة العربية السعودية من خلال رؤية "السعودية 2030" التي تهدف أن تكون الرياضة رافداً أساسياً لتنويع مصادر الدخل.
بدأت المملكة أولى خطواتها نحو تحويل الرياضة السعودية من الهواية إلى الصناعة بتأهيل وابتعاث الشباب السعودي قبل أن تطلق مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية الذي أعلنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باستحواذ صندوق الاستثمارات العامة، الذراع الاستثمارية السيادية للسعودية، على الأندية الأربعة الكبرى في المملكة، الهلال، النصر، الاتحاد، والأهلي كمرحلة أولى ضمن هذه الاستراتيجة الجديدة.
يهدف المشروع لإعادة هيكلة القطاع الرياضي، وبنائه على أسس من الاحترافية الشاملة، لتحقيق الاستدامة المالية والحوكمة الإدارية.
فالرياضة كصناعة مهمة ومؤثرة تحتاج إلى إنفاق مالي كبير، وإدارة احترافية قادرة على التطوير والاستثمار الناجح لزيادة الإيرادات المالية، وتحقيق مكاسب إعلامية وتسويقية، لتعزيز تنافسية تلك الأندية والقطاع عموماً، وخلْق دوري كرة قدم ينافس الدوريات الكبرى في العالم.
أخيراً، المشروع الرياضي السعودي انطلق من حيث انتهى الآخرون تنظيماً واستثماراً، وهذا الإنفاق التوسعي على الأندية وجلب اللاعبين العالميين ومن ثم خصخصتها وتعزيز الاستثمار فيها يعني أن القطاع الرياضي في السعودية انتقل من مفهومه التقليدي من الاهتمام بالصحة البدنية للمجتمع والترفيه إلى صناعة مكتملة الأركان ضمن مفهوم اقتصادي ومالي واستثماري سيغير قواعد اللعبة في صناعة الرياضة عالمياً في ظل وجود عقلية جديدة وفكر مختلف وخطة طموحة ومنهجية جريئة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة