مخيم الهول وأحيانا يطلق عليه اسم "دويلة" الهول، يقع شرق محافظة الحسكة في الشمال الشرقي لسوريا، متاخم لحدود العراق الغربية.
للوهلة الأولى، يقفز اسم المكان إلى حيز الذاكرة "الهَوْل"، اسم المكان قديم، ولا يُعرف شخصٌ أو تاريخٌ لمن وسم تلك البقعة الجغرافية الصحراوية بهذا النعت.
وفق قواميس اللغة العربية فالاسم مشتق من مصدر "هالَ، هَوْل هائل: فَزَعٌ ورهبة، يا للهول: يا له من أمر مرعب". هل مصادفة أن يمتزج اسم المكان مع طبيعة المحتجزين فيه اليوم ومع أيديولوجيتهم الأشد تطرفا عبر تاريخ البشرية من تنظيم داعش الإرهابي وعوائلهم وأطفالهم؟ مَنْ مِنْ طرفي المعادلة، بيئةُ الهول أم تطرفُ داعش، يضفي على الآخر ظله ومناخه ويؤثر فيه؟.
أنشأت الأمم المتحدة المخيم إبان حرب الخليج عام 1991 لاستيعاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين الهاربين من العراق بسبب تلك الحرب، بعد دحر داعش في معاقله في العراق وسوريا تم إيداع عشرات الآلاف من عناصره وعوائلهم وأطفالهم في هذا المخيم.
بات مخيم الهول اليوم حاضرا بشكل شبه دائم على طاولة الاهتمام المحلي والإقليمي والدولي، تفاصيله الأمنية وملامحه الخطيرة وعواقب انفلات المحتجزين داخله، كلها نواقيس يتم قرعها.
الغائب الأبرز عن بال المحذرين من وجوده ومن استمراره هو الحديث عن دور الهيئات الإنسانية الأممية وواجبات الدول التي ترفع راية التحضر في تهيئة وتوفير أبسط منتجات الحضارة وأساليب التحضر لعملية إصلاحٍ وتأهيلٍ نفسي-ثقافي للمحتجزين فيه خصوصا الأطفال.
الغرابة تكمن في رفض بعض الدول قبول عودة أو استعادة مواطنيهم، نساء، رجال، أطفال، ممن بقوا في ذلك "الهول" ، أهو تنصل من مسؤولية احتوائهم، أم تبرؤ من انتمائهم لبلدانهم؟ أم كلا الأمرين معا بسبب حسابات سياسية لا تكترث بعواقب إهمالهم وتركهم نهبا لمؤثرات التطرف التي يتغذون عليها صبح مساء؟.
دور البيئة وفعلها في تهذيب وصقل النفس البشرية وتوازنها ؛ أثبتته جميع الدراسات ، واتفقت عليه مدارس علم النفس ورواده ، وبرهنت على تأثيرها في تنشئة الإنسان وتنمية ميوله وتحديد نزعاته وتوجيهها . يحتوي تراثنا العربي على أكثر الروايات بلاغة عن أهمية الرغد والبحبوحة: "الخضراء والماء والوجه الحسن" في تليين جوانب الشظف وتلطيفها في الإنسان، وتفجير مكامن الدعة والسرور والرِقَّة في التعبير والشعور؛ هي قصة الشاعر علي بن الجهم، البغدادي المولد سنة 188 للهجرة، والمتحدر من أسرة عربية أصلها من قريش.
عاصر فترات حكم الخلفاء العباسيين إلى فترة حكم المتوكل، حيث القصة بينه وبين الشاعر الصحراوي، عند قدوم الشاعر لأول مرة إلى عاصمة العباسيين استهل وقوفه بين يدي الخليفة فأنشد ما اعتبره أبلغ صور المديح لشخص مضيفه ولمآثره:
أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوبِ.
أنت كالدلو؛ لا عدمناك دلوا من كبار الدلا كثير الذنوبِ.
تفهّم المتوكل نية الشاعر الحسنة، وصدق تعبيره، وأدرك مرد الفظاظة في مفرداته، أمَرَ له بدار ضيافة على نهر دجلة محفوفة "بالخضراء والماء والوجه الحسن". مرت شهور ستة على تنعم الشاعر الصحراوي بنسائم الرغد العليلة. استدعاه الخليفة إلى مجلسه طلبا لشعره، فأنشد ما قيل بأنه أرقُّ شعر غزل في ديوان العرب:
عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
أعدن لي الشوق القديم ولم أكن سلوت، ولكن زدن جمرا على جمر
تحسس المتوكل انسيابية روح الشاعر وعذوبة سريرته، فقال له "إني لأخشى عليك من رقتك يا بن الجهم".
كيف يمكن لأطفال مخيم الهول أن يلفظوا خشونة "الهول" الذي هم فيه إن لم تسعفهم الأمم الإنسانية والحضارية بمستلزمات الرفاه التعليمي والتربوي أولاً، كونها الوعاء الذي تتشكل به القيم، وتنهل منه النفوس والعقول، وتترسخ من خلاله مقومات التحضر والتنمية، إذا كان استئصال مجموعات داعش الإرهابية وعناصره المتفلتين على امتداد الصحراء السورية يتطلب جيوشا عسكرية مدججة، فإن فرصة تنشئة أطفال مخيم الهول تبدو ملحة قبل أن تتعنت النفوس وتتحجر القلوب. إنها مسؤولية كل دعاة قيم التحضر والإنسانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة