قمم مكة.. استعادة زمام المبادرة
دعوة خادم الحرمين الشريفين لعقد القمتين الخليجية والعربية بالتزامن مع انعقاد الإسلامية، تأتي في توقيتها ومكانها المناسبين.
توالت ردود الأفعال الإيجابية من جانب الدول العربية والإسلامية على دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لعقد قمتين طارئتين في مكة المكرمة، في الأيام الأخيرة من شهر رمضان الكريم؛ حيث من المقرر أن تعقد القمة الخليجية أولًا، تليها القمة العربية في 30 مايو/أيارالجاري، ثم انطلاق القمة الإسلامية العادية في 31 مايو/أيار الجاري.
الحاجة إلى موقف عاجل وموحد
دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لعقد القمتين الخليجية والعربية بالتزامن مع انعقاد الإسلامية، تأتي في توقيتها ومكانها المناسبين.
فالتطورات الحرجة تتسارع في منطقة الخليج العربي، خاصة عقب تعرض 4 سفن شحن تجارية مدنية من عدة جنسيات لعمليات تخريبية بالقرب من المياه الإقليمية، باتجاه الساحل الشرقي لإمارة الفجيرة، والتي تدل الشواهد والتحقيقات على أن إيران تقف خلفها، وهو ما يعد تطورا خطيرا، لا يمس فقط مصالح دول الخليج العربي بل أيضا العديد من دول العالم خاصة الدول الكبرى والقوى الصاعدة في النظام الدولي المتعطشة لمصادر الطاقة التي تأتيها من منطقة الخليج العربي، وليس من مصلحة تلك الدول الأخيرة توقف إمدادات النفط أو زيادة أسعاره، وهو الأمر الذي حدث بالفعل حيث زاد سعر خام نفط برنت بشكل ملحوظ خلال الأسبوع الجاري .
هذا علاوة على أن أمن منطقة الخليج العربي يرتبط بشكل مباشر بأمن وسلامة منطقة الشرق الأوسط ككل، وهو الأمر الذي اتضح جليا خلال العقود الماضية.
من جانب آخر، جاء تصعيد الاعتداءات من قبل الحوثيين في اليمن، المدعومين من إيران، ضد الأهداف الاقتصادية والمدنية في السعودية بشكل متكرر، مثل الهجوم على محطتي الضخ لخط الأنابيب (شرق غرب) الذي ينقل النفط السعودي من حقول النفط بالمنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على الساحل الغربي، بواسطة طائرات مسيرة مفخخة، واستهداف مكة المكرمة (قبلة المسلمين حول العالم)، بواسطة الصواريخ الباليستية وهى جريمة تستدعي الوقوف ضدها عربيا وإسلاميا بل عالميا؛ لأنها جريمة إرهابية استهدفت ترويع الآمنين في دور العبادة وهو المسجد الحرام وفي شهر رمضان المعظم.
هذا بخلاف الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة الحاملة للمتفجرات التي تعترضها قوت الدفاع الجوي السعودي، وتستهدف ترويع المدنيين بشكل مستمر.
وكان أحدثها محاولة استهداف مطار الملك عبدالله في جازان بواسطة طائرة مسيرة أسقطتها قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي، ودون شك أن ذلك التمادي الحوثي في العدوان على المدنيين في أراضي المملكة العربية السعودية يستدعي لفت أنظار العالم إليه، ويستدعي التعامل معه بحسم في إطار القانون الدولي وسن العقوبات التي تردعه، لأنه عدوان يتزايد عنفا واتساعا يوما بعد يوم ولا يراعي الجوانب الإنسانية ولا الدينية ولا القانونية.
وهذا ما أكدته جامعة الدول العربية، عند تعميم الدعوة الموجّهة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لعقد القمة، حيث تأتي لـبحث الاعتداءات التي حدثت بالقرب من المياه الإقليمية، باتجاه الساحل الشرقي بالقرب من إمارة الفجيرة وكذلك التي جرت في الأراضي السعودية لما لذلك من تداعيات خطيرة على السلم والأمن الإقليمي والدولي، وعلى إمدادات واستقرار أسواق النفط العالمية.
توحيد الصف والتحلي بالحكمة المدعومة بالقوة
دعوة الملك سلمان بن عبدالعزيز، في هذا التوقيت، هي دعوة لتوحيد الصفوف وحشد الطاقات والبحث عن مخرج للأزمة الحالية التي تسبب فيها الحوثيون المدعومون والممولون من إيران، وهى دعوة لنبذ العنف.
وقد أعلنت المملكة العربية السعودية أنها لا ترغب في الحرب ولا تسعى لها؛ لكنها ترفض الاعتداء على الأراضي السعودية والمقدسات الإسلامية على أرضها. أما إذا أراد الطرف الآخر الحرب "فسترد السعودية بكل قوة وحزم"، وفقا لما أعلنه عادل الجبير وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية.
الولايات المتحدة الأمريكية من جانبها أظهرت اهتمامها بالأزمة، وتحركت على أكثر من مسار، فقد عززت قوتها العسكرية في المنطقة وأعادت انتشار قواتها بما يحقق لها الفاعلية والأمن في ظل التطورات الراهنة، وفي نفس الوقت أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه لا يرغب في الحرب مع إيران رغم الاستعداد لها، مع فتح قنوات للحوار ومتابعة التطورات، لكن في توضيح ضروري قال ترامب في تغريدة له: "إذا أرادت إيران القتال فسوف تكون النهاية الرسمية لإيران، لا تهددوا الولايات المتحدة مجددا أبدا".
الموقف الأمريكي وجد صداه في طهران التي تعلم أنها ستكون خاسرة في أي حرب تنشب في المنطقة؛ لأنه مع إطلاق أول رصاصة سوف تنتهي الحرب بالوكالة التي تجيدها طهران وتديرها من بعد وتحرص عليها، حيث ستجد نفسها في هذه الحالة مضطرة لخوض معركتها بنفسها وعلى أرضها؛ وهو ما لا ترغب فيه إيران ولا تتمناه أبدا.
من جانب آخر، إذا نشبت حرب فسوف تنتهي فاعلية سلاح الدعاية والتضخيم والمبالغة والحرب النفسية الموجهة التي تشنها إيران، وستجد نفسها على المحك ووسط اختبار فعلى لقوتها ومواقفها، لذلك جاء تصريح المرشد الإيراني علي خامنئي الذي استبعد فيه إمكانية وقوع حرب عسكرية مع الولايات المتحدة، قائلا: إن "المواجهة ليست عسكرية، لأنه ليس من المقرر نشوب أي حرب، ونحن لا نسعى للحرب، وهم أيضاً لا يسعون وراءها، لأنهم يعلمون بأنها لن تكون في صالحهم".
من جانبه، سعى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مؤخرا إلى طمأنة الولايات المتحدة، وإلى أن إيران لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية، موضحا أن مرشد إيران علي خامنئي حظرها في فتوى.
ومما لا شك فيه أن دعم جامعة الدول العربية لدعوة العاهل السعودي واستضافة مكة المكرمة الدورة الرابعة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي، في مدينة مكة المكرمة في 31 مايو/أيار الجاري يشكل قوة دعم هائلة لما سوف تخرج به تلك القمم واللقاءات من نتائج وقرارات بخصوص التطورات الأخيرة.
أما قطر، فهي ما زالت تتجاهل حقائق التاريخ وتنكر حقائق الجغرافيا وتتبرأ من روابط الانتماء الخليجي والعربي بقرارها الابتعاد عن مجلس التعاون الخليجي، والبحث عن قوة زائفة لدى حلفاء إقليميين أصحاب مشاريع توسعية وطموحات مدمرة وأطماع واضحة في الخليج العربي والمنطقة العربية ككل.