تواصل تركيا عمليات القصف الجوي على قرى في شمال العراق، ما تسبب في نزوح أهالي تلك المناطق وخلوها من سكانها.
وأدى استمرار تلك العمليات العسكرية إلى تدمير وحرق أكثر من اثنين وعشرين ألف "دونم" -الدونم 2500 متر مربع- من الأراضي الزراعية.
العمليات العسكرية التركية تتوالى جواً وأرضاً في عمق الأراضي العراقية وضمن الشريط الحدودي، وبمحاذاة إقليم كردستان، بذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، المناهض لتركيا، لكن في حقيقة الأمر تهدف تلك العمليات العدوانية إلى تغلغل القوات البرية التركية في العمق العراقي لإقامة قواعد مؤقتة في المنطقة داخل أراضي إقليم كردستان العراق بعمق أكثر من 10 كيلومترات، قرب منطقة باطوفة الحدودية التابعة لبلدة زاخو في أقصى شمال محافظة دهوك.
وسبق التوغل البري التركي قصفٌ جوي ومدفعي مكثف طال ثماني قرى حدودية في منطقة "حفتانين" قرب الشريط الجبلي الفاصل بين العراق وتركيا، الأمر الذي تسبب في نزوح عائلات من تلك القرى، وإلحاق خسائر مادية بحقول مزارعيها.
ومع ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي أنشأت تركيا قواعد في "بعشيقة" و"صوران" وقلعة جولان، إلى جانب قواعدها في "أربيل"، بما يشمل تلك المقرات العسكرية القريبة من "جبال قنديل".
وتهدف تركيا من إقامة تلك القواعد العسكرية إلى زيادة عدد قواتها في شمال العراق لتأمين ما تزعم تركيا أنها "مصالحها الاستراتيجية"، ويأتي على رأسها مواجهة تمدد أكراد العراق وسوريا.
وتتطلع تركيا إلى ما هو أبعد من إضعاف المقاتلين الأكراد، أي إلى تكريس الوجود التركي في العراق، فهذا السيناريو يبدو مطابقاً لما حدث ويحدث في سوريا، وما كانت تخطط له تركيا أيضا بالنسبة للملف الليبي.
وكانت وزارة الدفاع التركية أعلنت سابقا أن عملية التوغل في شمال العراق جاءت بعد سلسلة غارات في عمق أراضي إقليم كردستان العراق، لاستهداف مواقع تقول إنها تابعة لحزب العمال الكردستاني.
وتقيم تركيا قواعد عسكرية في شمال العراق منذ سنوات، وترفض الانسحاب منها بحجة "أمن تركيا"، رغم مطالبات العراق المتكررة بإخلائها، فيما تريد السيطرة على الموصل وكركوك على غرار احتلالها الشطر الشمالي من جزيرة قبرص.
الأطماع التركية-الإيرانية للهيمنة على العراق واضحة، وفي الوقت الذي تعمل تركيا من أجل السيطرة على الموصل وكركوك، تسعى إيران لترسيخ نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي في العراق أيضا، خصوصاً في بغداد ومدن الجنوب والمدن الكردية المحاذية لكردستان إيران في إقليم كردستان العراق، كمدينتي السليمانية وحلبجة، الأمر الذي يجعل الدولتين -إيران وتركيا- في سباق مستمر لتنفيذ مخططاتهما على الأراضي العربية عموما، وأرض العراق خصوصا.
ستكون نتائج العمليات العسكرية الاستعراضية في الشمال العراقي وخيمة على تركيا من جرّاء سياساتها العشوائية، التي ورطتها في حروب مفتوحة على جبهات مختلفة في الأراضي السورية والعراقية والليبية، ما أدى إلى سقوط عشرات الجنود الأتراك قتلى بسبب هذه التدخلات في شؤون البلدان العربية، بل واحتلال أجزاء من أراضيها بالمخالفة الصارخة لقواعد القانون الدولي.
ويبدو أن تدخّل تركيا في شمال سوريا مكلف للغاية على صعيد خسائر جنودها بعد مواجهات سابقة مع الجيش السوري والقوات الروسية، لكنها -تركيا- تصر على تنفيذ مخططاتها لخلق أوضاع ملائمة لتدخّل عسكري دائم لها في العراق، محاكيا ما قامت به في شمال سوريا، رغم احتجاجات عراقية متكررة ضد انتهاكات أنقرة المتواصلة لسيادة أراضيها.
وتتصادم السياسة الخارجية التركية بشكل متزايد مع مواقف الدول العربية الرافضة للعمليات العدوانية الجائرة في المناطق الواقعة تحت الهيمنة التركية والتنظيمات الإرهابية، وأيضاً مع أولويات الاتحاد الأوروبي بخصوص السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، فمثلا تتهم مفوضية الاتحاد الأوروبي تركيا في هذا السياق بالقيام بأعمال "استفزازية غير مشروعة" في سوريا والعراق وليبيا، وذلك لـ"تمزيق" المنطقة العربية.
ويثير التمدد والانتشار التركي في شمالي العراق وسوريا مخاوف جيوسياسية، إذ تشكل تحركات تركيا المريبة تهديدا أمنياً لدول المنطقة، التي بات رجوع الاستقرار إليها يمثل خطوة مهمة على طريق تأمين ركائز الأمن القومي العربي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة