"على الجمهوريين اللجوء لاستفتاء على أداء بايدن في ملف أفغانستان، لأن عزله صعب وسط هيمنة الديمقراطيين على مجلسيْ الشيوخ والنواب".
هكذا تحدث زعيم الأقلية الجمهورية، السيناتور ميتش ماكونل، حين ألحَّ عليه أعضاء حزبه بضرورة مطالبة "بايدن" بالاستقالة، أو مساءلته ثم عزله حين تثبت التحقيقات تقصيره في تقييم طبيعة الوضع الراهن في أفغانستان قبيل انسحاب القوات الأمريكية.
هذا هو المُثار أمريكيا حاليا مع بدء جلسات الاستماع داخل الكونجرس، ومن بعده مجلس الشيوخ، خاصة أن الجلسات ستطال عددا من المسؤولين الكبار في إدارة "بايدن"، بدأت بوزيري الخارجية والدفاع، وستمر أيضا بمستشار الأمن القومي وعدد من قيادات الاستخبارات المركزية وقيادات بعض المناطق، وعلى رأسهم قادة التشكيلات والعاملين في النطاق الآسيوي.
موقف "بايدن" إذاً لن يكون سهلا، بصرف النظر عن المبررات، التي أطلقها وكبار مسؤولي إدارته رسميا وطُرحت في وسائل الإعلام، حيث سيتم توجيه تساؤلات مباشرة للرئيس وكبار معاونيه حول الخطوات التالية المرتبطة بتأمين المصالح الأمريكية في العالم والبدائل والخيارات، التي كان يمكن أن يحملها المشهد المستقبلي بأكمله.
وجاء استجواب وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، ليكون أول مسؤول من إدارة "بايدن" يقف بمواجهة المشرّعين، وستكون هذه المرة الأولى، التي يمثل فيها مسؤول من إدارة "بايدن" أمام المشرّعين منذ إنهاء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، في وقت تعهد فيه أعضاء الكونجرس بطرح أسئلة تتعلق بأسلوب تنفيذ الانسحاب، وسوء تقدير الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بسرعة سقوط الحكومة الأفغانية، واحتمال اعتراف الولايات المتحدة بحكومة "طالبان".
اللافت في الأمر أن يتهم الديمقراطيون والجمهوريون معا في الكونجرس إدارة "بايدن" بالتقصير في طرح خطة بديلة لتعويض سقوط الحكومة الأفغانية وسوء التخطيط، والمطالبة بإصلاحات في وزارة الخارجية، وهو ما سيعقب عليه "بايدن" بأن انسحاب القوات الأمريكية "لم يتم بالفعل بالسلاسة المطلوبة"، وأن الرئيس السابق دونالد ترامب "فشل في ترتيب عملية السلام مسبقا، وكذلك الرئيس الأفغاني السابق، أشرف غني، الذي رفض مواجهة طالبان".
في هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي "بايدن" قد وقّع في 3 سبتمبر الجاري مرسوماً يقضي برفع السرية عن وثائق تتعلق بهجمات 11 سبتمبر الإرهابية، كما أن اللجنة المعنية بإجراء تحقيق في أحداث يناير، حين اقتحم أنصار "ترامب" مبنى الكونجرس، ستستمر في مهامها الفيدرالية، ما يشير إلى هدف "بايدن" من ذلك، حيث سيسعى إلى تحويل اهتمام الرأي العام إلى ما يسميه الديمقراطيون في الكونجرس "الإرهاب الداخلي".
في المقابل، سيكون أمام الجمهوريين في الكونجرس مهمة محددة، وهي لفت الانتباه تماما إلى مشكلة "الإرهاب الخارجي"، مع تأكيد أن من مصلحتهم أن تتحول جلسات الاستماع الحالية والمتوقعة إلى محاكمة فريق "بايدن"، وأن يسمَّى المتهمون بالاسم في جلسات الاتهام، التي ستعقد تباعا، وأن تكون هناك حالات طرد من المنصب الرسمي، وهو أمر ربما يطول عددا من كبار المسؤولين.
في المجمل، سيعوق ما يجري في الكونجرس، من جدال بين الجمهوريين والديمقراطيين، عملية تمرير الحزمة الاقتصادية، التي يرغب الحزب الديمقراطي في انتزاع موافقة مجلس النواب عليها، لتجنب إغلاق حكومي طويل إذا لم تمر خطة التمويل الحكومي هذه، والتي قُدمت منذ أسابيع.
من ناحية أخرى، يسلط الصراع الداخلي فى الحزب الديمقراطي، بين التقدميين والمعتدلين، الضوء على الرهان الكبير لرئاسة "بايدن"، وهو أن الناخبين فى وقت الأزمات الوطنية أو حتى الحزبية يريدون تركيز تريليونات الدولارات على التغير المناخي وإعادة صياغة شبكة الأمان الاجتماعي، وهو الأمر الأهم، على اعتبار أن ذلك محور رئيسي في مسارات التحرك نحو القاعدة الجماهيرية الكبرى، التي يسعى كل حزب للعمل عليها كسبا لشرائح اجتماعية جديدة.
تجدر الإشارة إلى أنه في ظل تقدّم فرص الحزب الجمهوري في الانتخابات القادمة للكونجرس، وإمكانية استرجاعه الأغلبية في المجلسين، بسبب الغضب الشعبي الواسع مما آلت إليه الأوضاع في أفغانستان، والإخفاق الأمريكي هناك في إنجاز انسحاب منظم وآمن للأمريكيين والمتعاونين معهم من الأفغان خلال العشرين عاما الماضية، ورغم دعوات من داخل الحزب الجمهوري للتركيز على مشروع عزل "بايدن"، فإن بعض المتشددين في الحزب يرفضون تماما أن يتم التغاضي عن محاسبة "البيت الأبيض"، ممثلا في الرئيس "بايدن" ونائبته كامالا هاريس، وكذا وزيريْ الخارجية والدفاع، ومعرفة مسؤولية كل منهم عن مجريات الوضع في أفغانستان.
يشار إلى أنه في الوقت الذي ألقى فيه وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، بمسؤولية ما حدث على الجيش الأفغاني واتهامه له بعدم الرغبة في القتال وعدم الاستعداد الجيد، تبادل الجمهوريون والديمقراطيون اللوم على ما شهدته أفغانستان من تطورات.
ويتبنى الجمهوريون موقفا يعتمد إلقاء اللوم على "بايدن" وقراره المتسرع بإعلان سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، في حين يرى الديمقراطيون أن اللوم يجب توجيهه إلى "ترامب" والجمهوريين، الذين توصلوا إلى اتفاق مع "طالبان" العام الماضي يقضي بالانسحاب العسكري من أفغانستان قبل نهاية مايو الماضي.
وتشير دوافع الجمهوريين إلى أن انسحاب القوات الأمريكية قد بدأ بالفعل في عهد أوباما وليس في عهد ترامب، فيما ركز الجمهوريون على بيان الرئيس "بايدن" في 14 أبريل 2021، الذي أكد فيه استكمال انسحاب القوات الأمريكية وبدء عملية تقليص القوات.
في المقابل، رأى الديمقراطيون أن إدارة "ترامب" هي المتسببة في سيطرة "طالبان" على أفغانستان، إذ "أساءت"، حسب رأيهم، إدارة الاتفاق الأولي، الذي وقعته مع الحركة في 22 فبراير 2020.
ويرى الديمقراطيون أن اتفاق السلام بادل الانسحاب من أفغانستان ببدء المفاوضات بين الأطراف الأفغانية، لكنه لم يحدد سلاما محتملا ولم يخلق عملية سلام فعالة، وأن "ترامب"، بقبوله الاتفاق، خسر أفغانستان فعليا.
كما اتهم الديمقراطيون "ترامب" بأنه "تجاهل إدراج خطة سلام شاملة في اتفاقية تحديد الموعد النهائي للانسحاب".
يبدو على أي حال أن الصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين سيستمر، ليس في الملف الأفغاني فقط، بل سيمتد إلى ملفات أخرى، حيث يعتزم الديمقراطيون تركيز جهودهم على مقترحات توسيع مزايا الرعاية الطبية، والسماح ببرامج إجازات عائلية وطبية جديدة، وجعل رعاية الأطفال فى متناول الجميع.
في المقابل، فإن الجمهوريين سيستمرون في طرح البدائل والخيارات المضادة، إلى حين حسم معركة التجديد النصفي في الكونجرس، والتي ستجرى نهاية العام الجاري.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة