كل ما يفعله الرئيس التركي هذه الأيام هو لترتيب المشهد الداخلي بغية ضمان فوزه في الانتخابات المقبلة.
وأكثر ما يثير قلق الرئيس التركي هو استطلاعات الرأي، التي تشير إلى تراجع شعبيته وشعبية حزبه "العدالة والتنمية"، وتحالفه مع حزب "الحركة القومية" بزعامة دولت باهجلي، المعروف بتحالف "الشعب"، في مواجهة تحالف "الأمة"، الذي يضم كلا من حزب الشعب الجمهوري، وحزب الخير، وحزب السعادة، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم في شعبية هذا التحالف على حساب تحالف الشعب.
وهي المرة الأولى، التي يتقدم فيها تحالف المعارضة على تحالف الحزب الحاكم في هذه الاستطلاعات، ما يشكل قلقا متزايدا للرئيس التركي وحليفه "باهجلي".
الرئيس التركي ينتهج تكتيكات مختلفة لمواجهة تراجع شعبيته، تقوم كلها على تفكيك أحزاب المعارضة المتحالفة ضده، باحثا عن تحالفات جديدة، ويسعى كذلك إلى تعديل القانون الانتخابي بحثا عن فرصة أفضل في الانتخابات المقررة عام 2023.
لكن ما يزيد قلق الرئيس التركي هو أن هذه الخطوات مجتمعة قد لا تُسعفه في تحقيق أمانيه، لا سيما في ظل تفاقم الأزمات المالية والمعيشية في البلاد، حيث التراجع المتواصل لقيمة الليرة التركية أمام الدولار، وارتفاع الأسعار، وهروب الاستثمارات، وتوقف العديد من المشاريع الكبرى بسبب مشكلات التمويل، في ظل ازدياد نسب البطالة والتضخم والديون، فضلا عن علاقات تركيا المتوترة مع الخارج، بالإضافة إلى تورطها حاليا في نزاعات بسوريا وليبيا والعراق.
وقد أظهر كل ما سبق لدول الجوار أن تركيا مصدر لعدم الاستقرار، رغم الإشارات الأخيرة، التي تبديها للانفتاح على الدول العربية والاستعداد للمصالحة معها، من خلال الإيحاء بالكف عن دعم تنظيم الإخوان وأذرعه، بل والاستعداد للتخلي عن التنظيم هنا أو هناك، مقابل مصالح وعلاقات ثنائية وإقليمية.
في الداخل التركي، يدرك الرئيس أن تحالفه مع "باهجلي" لم يعد يؤمّن تطلعاته للبقاء في السلطة، إذ إن استطلاعات الرأي لا تعطي لهذا التحالف في الانتخابات المقبلة أكثر من 33% من الأصوات، 26% لحزب العدالة والتنمية و7% لحزب الحركة القومية، ما يعني إمكانية خروج الحليف "باهجلي" من المشهد السياسي إذا ما علمنا أن العتبة الانتخابية في تركيا لدخول البرلمان هي 10%.
ولعل هذا هو السبب الأساسي، الذي دفع بتحالف "الشعب" إلى طرح قانون انتخابي جديد يخفض هذه العتبة إلى 7%، رغم أن حزب الحركة القومية، حليف الحزب الحاكم، طلب أن تكون العتبة 5% لتأمين دخوله البرلمان، وهي خطوة ربما تكمل الخطوات الجارية الأخرى للرئيس التركي، مثل السعي لحظر حزب الشعوب الديمقراطي عبر المحكمة، للحصول على القسم الأكبر من أصواته المقدرة بأكثر من ستة ملايين ناخب.
لكن لا شيء مضمون في هذا المجال إذا ما علمنا أن أصوات حزب "الشعوب الديمقراطي" محسوبة على الأكراد وأحزاب اليسار والتيارات الديمقراطية، وجميعها قوى ترى نفسها في الموقع المضاد للتحالف القومي اليميني بزعامة الرئيس الرئيس التركي.
هذه الأمور تجعل مهمة حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات التركية صعبة ومعقدة، وعليه فلا يستبعد كثيرون أن يلجأ الرئيس التركي إلى خطوات غير محسوبة، منها بناء تحالفات مع قوى جديدة، على رأسها التحالف مع حزب "السعادة" الإسلامي، وكذلك حزب "ديفا" بزعامة علي باباجان، الذي تنسب إليه النهضة الاقتصادية السابقة لحكم حزب العدالة والتنمية، حيث كان "باباجان" بمثابة العقل الاقتصادي لهذا الحزب وحكمه قبل أن ينشق عن "العدالة والتنمية".
أيضا، من الخطوات، التي قد يلجأ إليها الرئيس التركي، حسب مراقبين، الانفتاح على الأكراد، بما في ذلك حزب العمال الكردستاني، لاستمالة الكتلة الانتخابية الكردية الوازنة والكفيلة بإيصال أي حزب إلى المشهد السياسي أو البقاء في السلطة، وهنا تتوجه الأنظار إلى جزيرة إيمرالي، حيث عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، المسجون هناك منذ أكثر من عقدين، إذ ثمة اعتقاد تركي بأن مجرد رسالة أو خطاب منه كفيل بتوجيه بوصلة الناخبين الأكراد لصالح الرئيس التركي.
في هذا السياق، ينبغي النظر إلى الزيارة، التي قام بها الرئيس التركي إلى "دياربكر"، التي يعتبرها الأكراد عاصمتهم، إذ كانت هذه الزيارة بمثابة رسالة سياسية للأكراد قبل أي شيء، ولكن السؤال هنا: كيف يمكن للرئيس التركي أن يتخذ خطوات إصلاحية تجاه الأكراد، لا سيما حزب العمال الكردستاني، بعد أن انخرط والأخير في حرب جعلت من تحقيق السلام بينهما مهمة شبه مستحيلة؟
كل جهود الرئيس التركي حاليا مُنصبَّة على ترتيب المشهد السياسي الداخلي كي لا يتعرض لهزيمة انتخابية عام 2023 تُخرجه من السلطة، فيما كل المؤشرات توحي بأن المشهد في تركيا لم يعد يسير وفق ما تشتهيه سُفُنُه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة