ثلاثة سيناريوهات أمام تنظيم الإخوان بعد الانهيار، الذي تعرض له خلال السنوات القليلة الماضية، وربما ظهر بشكل أوضح خلال آخر 3 أشهر.
فقد طفا مؤخرا صراع جبهة إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد الإخوان، وجبهة محمود حسين، أمين التنظيم وعضو مكتب الإرشاد سابقًا، حيث اتهم كل منهما الآخر بالفساد المالي والإداري والأخلاقي، حتى إن أبعاد الخلاف بينهما ذهبت إلى أن كلا منهما أقال الآخر من منصبه.
السيناريو الأول والأقرب للواقع هو انهيار بنية التنظيم، التي شكّلها المؤسس حسن البنا قبل أكثر من تسعين عامًا، ونلاحظ في عوامل الانهيار التي تشهدها الجماعة أنها داخلية، فالتنظيم ينهار من داخله، ما يؤكد صعوبة عودته للمشهد، وأنه يفتقد أي مقومات للبقاء، فقط كان يعيش طوال العقود الماضية على مظلومية اختلقها لنفسه جلبا للتعاطف، سرعان ما انكشف زيفها أمام الشعوب.
السيناريو الثاني هو بقاء التنظيم مُنشطرًا ومتشظيًا، بمعنى أن ينقسم إلى نصفين أو جبهتين متناحرتين دائما، بين تجمّع الإخوان في أقطار عربية وغير عربية، وبين تجمع آخر للإخوان المصريين، وهنا سوف يفقد إخوان مصر قيادة التنظيم، خاصة أن مؤشرات كثيرة تذهب إلى أن الكفة ستميل إلى جبهة "منير" في لندن منتقلة إليه من القاهرة.
السيناريو الثالث أن يولد تجمع جديد أو تنظيم صغير للإخوان على خلفية انهيار التنظيم الكبير، هذا التجمع سوف يتقدمه الشباب، وسوف يسيطر عليه مَن يسمون أنفسهم "الكماليون"، أتباع محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد، الذي قاد العمل المسلح ضد الدولة المصرية وأنشأ "سواعد مصر" و"حسم" الإرهابيتين.
لا بد أن نشير هنا إلى أن ما يتعرض له تنظيم الإخوان حاليا ليس فقط انهيارا داخليا طبيعيا لتنظيم شاخ وشاخت أفكاره، فقد توازى ذلك مع جهود بُذلت في مواجهة فوضاه، سواء مواجهة أمنية أو عسكرية أو فكرية، لكن هذا لا يعني أن المنطقة سوف تستيقظ غدًا على عالم يخلو من الإخوان وتطرفهم، ولكن قد يستغرق الأمر وقتا ومجهودًا للقضاء على خلاياهم، التي ما زالت تعمل في الخفاء، سواء في منطقتنا العربية أو في أوروبا.
لقد وضعت مصر اللبنة الأولى في مواجهة تنظيم الإخوان الإرهابي، وأعتقد أن ثمار هذه المواجهة، التي بدأت منذ عام 2013، آتت أكلها، وباعتبار الإخوان على رأس جماعات العنف والإرهاب فقد كانت المواجهة تتطلب جهودا أكبر لتفكيك بنية التنظيم، وهي المهمة الكبرى.
ما يحدث داخل التنظيم حاليا يتطلب أن ندرك أبعاده، التي حتما ستؤول إلى انهياره، ما يضعنا على عتبة الرؤية الصحيحة للتنظيم ومستقبله وفق آخر نقطة وصل إليها في مسلسل انحداره، وهنا يمكن وضع صيغ أكثر توسعا لمواجهته.
من المهم العمل في هذا الشأن على تفكيك مقولات حسن البنا، الممثلة في الأصول العشرين للتنظيم، على سبيل المثال، فدائمًا ما تكون المواجهة عن بُعد أقرب إلى التحذير، لئلا يتورط آخرون في فخاخ التنظيم، لكن ينسى الباحثون أن عدم تفكيك مقولات التنظيم سبب لبقاء أتباعه داخله، كما لا بد أن يشمل ذلك تفكيك مقولات شخصيات أخرى أثرت الفكرة المؤسسة للإخوان، مثل أفكار سيد قطب وكتاباته، وهنا يبقى دور المؤسسات الفكرية والدينية والثقافية في العمل على دحض الرؤى الإخوانية، التي شوّهت النصوص لمصلحة مبتغاها، بعد أن خدعت النّاس بنقولات تراثية مزورة ومزيفة.
دور الباحث والمثقف أن يوجّه إلى الداء وأن يقرأ خطره، وأن يرسم طريق المواجهة لهذه الجماعات غير المنتمية لأي وطن، ولعل التنسيق بين المؤسسات الفكرية والثقافية والدينية في عالمنا العربي يُعجّل بخروج النَفَس الأخير للتطرف من عالمنا العربي، ممثلًا في تنظيم الإخوان، الذي كان وما زال بمثابة رحم لكل تنظيمات العنف والتطرف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة