أدرك العالم مؤخراً عمق وخطورة مشكلة التغير المناخي، وبدأ التحرك الجاد لمواجهتها لإيجاد حلول وخطط عملية لتقليل تأثيراتها السلبية.
وبعد سنوات من البحث والتداول في السبل الممكنة للحد من تلك الظاهرة، تم التوصل إلى خارطة طريق تتضمن إجراءات محددة، اتفق عليها العلماء والسياسيون ورجال الصناعة والأعمال.
وشهد عام 2015 خطوة رئيسية في هذا المسار العلاجي لمشكلة المناخ، بإبرام اتفاق باريس، الذي وضع أهدافاً مُحددة ينبغي على الدول الصناعية العمل على تحقيقها.
وبعد سبع سنوات من هذا التفاهم العالمي، لا تزال المشكلة قائمة، ولم يتحقق من حزمة الأهداف سوى القليل، خصوصاً فيما يتعلق بخفض الانبعاثات الحرارية وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وجرت خلال الأعوام الماضية اتصالات ومشاورات مكثفة بين الدول المعنية، بهدف تحقيق المعادلة الصعبة بين المصالح والمكاسب الاقتصادية المرتبطة بالصناعات والأنشطة الملوثة للبيئة، والإجراءات اللازمة للحد من التغير المناخي والوصول إلى الغاية الكبرى المحددة في اتفاق باريس، وهي خفض معدل الاحترار العالمي إلى أقل من 2 درجة مئوية.
ورغم إدراك القادة وخبراء المناخ والبيئة خطورة المنحنى السريع لتدهور حالة مناخ الأرض، فإن الالتزام الفعلي بالإجراءات الواضحة والخطوات المطلوبة لا يزال أقل كثيراً من المقرر والمتفق عليه.
في ظل هذا الوضع، فإن قمة غلاسكو تجسد عملية مراجعة وتقييم لمدى وفاء الدول بالتزاماتها، وتجديد تعهداتها السابقة، ويبدو أن نتائج هذه القمة لن تتجاوز توجيه اللوم للتقصير في الوفاء بالإجراءات المطلوبة.
لذا فإن تلك النتائج المحتملة تكشف حاجة العالم الماسة إلى مزيد من التنسيق والتعاون لمواجهة التغيرات المناخية، وفق آليات للتواصل والمتابعة والحث، فقد ركز اتفاق باريس على المنطلق الطوعي للدول، وهو ما يحتاج إلى تعديل ولو جزئي، ليس بالضرورة بتبنّي منهج الإلزام القسري، إذ يتعارض ذلك مع مبدأ سيادة الدول، وإنما باستحداث آليات جديدة للتباحث والمراجعة والتنسيق المستمر.
ولهذا التحول متطلبات مسبقة، أبرزها وجود حدود مناسبة من الثقة المتبادلة بين الدول المعنية، واضطلاع أطراف دولية لها مكانة كبيرة بمهمة التنسيق والتشاور مع الدول الصناعية الكبرى، وتقديم حلول مبتكرة وآليات جديدة لتفعيل المبادرات والاتفاقات المقررة، التي لم تحقق معدلات تنفيذ كافية حتى الآن.
والسؤال الذي يفرض نفسه هو: ما تلك الدولة أو الطرف الذي يمكنه الاضطلاع بتلك المهمة التاريخية لإنقاذ مصير البشرية؟
مبدئياً، يجب أن يكون هذا الطرف دولة غير متورطة في أزمة تغير المناخ، لكن هذا وحده لا يكفي، فكثيرة هي الدول التي تعاني المشكلة وليست مسؤولة عنها، والجانب الأهم أن تكون دولة ذات مصداقية عالمية، خصوصاً في القضايا ذات البعد الإنساني والنطاق الكوني، كما يجب أن تكون دولة ذات نموذج، لديها من الخبرات والإنجازات ما يجعلها تُحتذى في إيجاد الحلول الإبداعية خارج الصندوق، وأخيراً أن تكون دولة تملك من الرؤية والنظرة بعيدة المدى، ما يجعلها تخاطب المستقبل العالمي بعين ثاقبة ونظرة شاملة، تتجاوز بها الحسابات الضيقة ولا تتقيد فيها بالمكاسب قصيرة المدى، التي أثبتت التجارب أنها تنعكس بالسلب لاحقاً على العالم ككل بما فيه أصحاب تلك المكاسب.
نعم، هذه الدولة المرشحة دائما لتلك المهمة هي دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تتجه سريعاً نحو قيادة التحركات الدولية في أهم القضايا العالمية المرتبطة بالإنسان ككل وليس بفئة محددة أو شعوب بعينها أو نطاق جغرافي دون غيره.
ففضلاً عن الخطوات التنفيذية، التي تباشرها الإمارات بالفعل في مجال الحد من الانبعاثات ومواجهة تغير المناخ على المستوى الداخلي، فقد انتقلت الدولة إلى العمل النشط والمبادر على المستويين الإقليمي والعالمي، فبادرت بتعيين مبعوث خاص للتغير المناخي يتولى مهمة التحرك الخارجي لتحقيق رؤية الدولة والتنسيق مع الأطراف المعنية عالميا.
وإدراكا من الإمارات لأهمية شمول وامتداد تلك الجهود للمستويات والنطاقات كافة، وتقديراً من العالم لمكانتها وأدوارها البارزة في تلك القضية المصيرية لمستقبل العالم، فقد اختيرت لتنظيم واستضافة "أسبوع المناخ الإقليمي 2022" لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذي تتعاون في تنظيمه وزارة التغير المناخي والبيئة في الإمارات، مع "المنظمة العالمية للاقتصاد الأخضر"، و"برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، و"برنامج الأمم المتحدة للبيئة"، و"اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ"، و"البنك الدولي".
وليس أدل على إدراك العالم إمكانات الإمارات وقدراتها على تحقيق اختراق وإنجاز في هذه القضية الخطيرة، من قيام جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي السابق المبعوث الأمريكي الخاص للمناخ حالياً، بزيارة الإمارات، كواحدة من ثلاث دول اقتصرت عليها جولته في الشرق الأوسط، تحضيراً لقمة غلاسكو، وتنسيقاً للمواقف والتحركات بشأنها.
إن الفجوة الحاصلة بين التعهدات الكلامية لكثير من الدول والإجراءات الفعلية، تدعو العالم إلى الالتفات نحو النموذج الإماراتي والاستفادة من الرؤى والأفكار المبتكرة، التي تتميز بها دائما سياسات وتحركات دولة الإمارات.
وبعد قمة غلاسكو، لا بد من الإقرار بأن الفرصة مهيأة والحاجة مُلحة إلى الاستعانة بذلك النموذج الإماراتي الناجح في مواجهة قضية تشغل الرأي العام العالمي كله وتستلزم مبادرات شجاعة وتحركات عملية، ليس أقدر عليها من دولة الإمارات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة