فيضانات مدمرة.. حرائق غابات في معظم مناطق العالم، ارتفاع لحرارة الأرض، زيادة تلوث، وارتفاع لمنسوب مياه البحار والمحيطات.. احتباس حراري.. فيروسات خطرة.. تصحر وجفاف، تآكل أوزون، ذوبان جليد في القطبين.. عبارات باتت تتكرر على مسماعنا على مدار اليوم.
هذه المخاطر، التي نسمعها يوميا تؤكد أن عالمنا بات في خطر محدق، ومع أن دول العالم عقدت خلال السنوات الماضية سلسلة مؤتمرات للحد من هذا الخطر، الذي بات يتجاوز خطر الحروب، فإن حصيلة هذه الجهود لا تزال ضيئلة ولا ترتقي إلى مستوى التحديات والمخاطر.
فقد اعتدنا خلال القمم السابقة للمناخ أن نسمع خطابات دبلوماسية ووعودا كثيرة تتكرر، وتكرارها يشير إلى خلل ما، إلى عدم التزام الدول الكبرى بوعودها، وربما إلى ضرورة اتخاذ قرارات ملزمة لتنفيذ هذه الوعود، وإلا فإن هذه القمم ستبقى دون جدوى حقيقية، وهو ما يجب الانتباه إليه خلال أعمال قمة غلاسكو المنعقدة حاليا في اسكتلندا.
من هنا تكمن أهمية هذه القمة، خاصة أنها الأولى بعد انتشار جائحة كوفيد-19، وعودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، تلك الاتفاقية التي تشكل أكبر تجمع عالمي بهذا الخصوص.
أولى الملاحظات بخصوص قمة غلاسكو هي المشاركة، إذ تقول التقارير إن 68 رئيس دولة و62 رئيس حكومة يشاركون في القمة، فيما عدد الدول التي وقعت على اتفاقية باريس هي 192 دولة، ومع أن القمة تشهد عودة قوية للولايات المتحدة إلى الاهتمام بالمناخ والعمل على الحد من مخاطره، ومضاعفة تعهداتها والتزاماتها، فإن ثمة غيابا روسيا على مستوى الرئيس، ما يضعف من الآمال والتعهدات، إذا ما علمنا أن قمة غلاسكو ينبغي أن تكون مختلفة لجهة النتائج والقرارات.
الملاحظة الثانية تتعلق بالخلافات، التي سبقت القمة، فرغم كل الجهود التي بذلتها بريطانيا لجعل هذه القمة مجدية على مستوى التعهدات وتأمين الأموال اللازمة لها، "مائة مليار دولار" لتمويل المشاريع الجديدة في مجال البيئة والطاقة النظيفة للدول النامية، فإنه لا شيء يؤكد حصول مثل هذا الأمر حتى الآن، وهو ما يرخي بظلال خطرة على البرامج الوطنية، التي تُطرح لمواجهة مخاطر المناخ في ظل القدرات المحدودة للدول النامية.
الملاحظة الثالثة تتعلق بنسب إسهام الدول الصناعية الكبرى من الانبعاثات الكربونية، إذ تقول التقارير إن عشر دول صناعية فقط تسهم بنسبة ثلثي هذه الانبعاثات، وحسب آخر تقرير للأمم المتحدة بهذا الخصوص عام 2018، فإن الولايات المتحدة تسهم بنحو 13% من هذه الانبعاثات، تليها دول الاتحاد الأوروبي بنحو 7.5%، فالهند بنحو 7%، وعلى الرغم من أن هذه النسب الكبيرة تخص نشاط هذه الدول، فإن مخاطرها عالمية، إذ تشمل مختلف دول العالم، وهو ما يؤكد ضرورة إسهام أكبر لهذه الدول في البرامج الوطنية لدول العالم النامي المتعلقة بتحديات المناخ.
الملاحظة الرابعة تتعلق بريادة واهتمام بعض الدول العربية الخليجية بطرح برامج طموحة وعملية في مواجهة مخاطر المناخ والتقليل منها، كما هو حال المنتدى السعودي الأخضر، الذي انطلق قبل فترة، والمشاركة الفاعلة لدولة الإمارات العربية المتحدة في سلسلة مؤتمرات وقمم واجتماعات تعقد بشأن المناخ، وطرحها مؤخرا مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ، التي تؤكد أنها دولة مسؤولة معنية بتأمين الغذاء الصحي، وتعي جيدا أهمية الاستثمار في الطاقة المتجددة.
دون شك، فإن لقمة غلاسكو أهمية استثنائية، فتعاظم الوعي بمخاطر المناخ يتطلب من العالم، لا سيما الدول الصناعية الكبرى، الانتقال من سياسة الوعود والتوصيات والخطابات، إلى وضع برامج عملية، وقرارات ملزمة، وإسهام أكبر في دعم الدول النامية، من أجل مستقبل كوكبنا والحياة البشرية عليه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة