إعلان إسرائيل في هذا التوقيت، وقبل مراجعة الموقف الأمريكي من الاتفاق في 12 مايو المقبل يشير إلى توجه إسرائيلي ضاغط
لم يكن غريباً ولا مثيراً أن تعلن إسرائيل رسمياً على لسان رئيس وزرائها نتنياهو، أن تل أبيب تمتلك آلاف الوثائق والأدلة التي تؤكد على أن إيران ماضية في برنامجها النووي؛ رغم توقيعها على اتفاق كامل وملزم مع الدول الكبرى، وأن إيران عاقدة العزم على التوصل إلى القنبلة النووية، وأنها تطوّر برنامجها الصاروخي وتعد العدة لكل البدائل والخيارات اعتماداً على خبراتها في المراوغة، وهو نفس المنهج الذي اتبعته طوال سنوات ما قبل التفاوض مع الدول الكبرى، مما يؤكد أن طهران لا تزال تمتلك الرغبة، والتوجه للتوصل إلى القنبلة، وأن ما تقوم به يمضي في هذا الإطار، ويتماشى مع المعطيات التي تعمل بها الدولة الإيرانية في الوقت الراهن.
إسرائيل لن تكتفي برسائل التحذير والتهديد خاصة مع الضغوطات التي يتعرض لها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والمتعلقة بتذكيره بأن مناحيم بيجين ضرب المفاعل النووي العراقي، وأن إيهود أولمرت ضرب المفاعل النووي السوري في مهده، ومن ثم فإن على رئيس الوزراء الحالي حسم الوضع النووي الإيراني.
إعلان إسرائيل في هذا التوقيت، وقبل مراجعة الموقف الأمريكي من الاتفاق في 12 مايو المقبل يشير إلى توجه إسرائيلي ضاغط إلى توسيع دائرة التعامل مع إيران؛ ونقله من مجرد خلاف ثنائي وصراع على المواجهة والحسم، إلى خلاف جماعي شامل يضم إلى جانب إسرائيل الدول الكبرى الأخرى، مما يضيِّق الخناق على إيران ولا يضعها في مواجهة دولة واحدة هي إسرائيل فقط.
لهذا تقوم إسرائيل بأكبر حملة علاقات دولية في الوقت الراهن للتأكيد على خطورة التحركات الإيرانية الراهنة، وأنها ستؤثر على أمن الإقليم بأكمله ، ومن ثم فإن الحشد الدولي الذي تسعى إسرائيل للوصول إليه من خلال الضغط على إيران هو الهدف الاستراتيجي التكتيكي في الوقت الحالي، وعلى أمل تغيير مواقف وتوجهات الأطراف الدولية التي لا تزال ترى أن الاتفاق مع إيران صالح للاستمرار، وأنه لا توجد متطلبات ملحّة لفتح الملف النووي في الوقت الراهن مع تفعيل آلية الوكالة الدولية المنوط بها القيام بهذا الدور؛ على اعتبار أن هناك موقفين داخل مجموعة الدول الكبرى الموقعة، موقف تقوده روسيا ، وهو واضح تماماً، ولا يحتاج إلى سياقات جديدة، حيث يشير في مجمله إلى أنه لا توجد متطلبات آنية للتعامل مع إيران وبرنامجها، وأن الاتفاق حتى الآن ناجح بالفعل، وموقف آخر تتحرك فيه ألمانيا وفرنسا - إلى حد ما - يشير إلى ضرورة إتمام المراجعة والتصويب لمجمل بنود الاتفاق، وعدم ترك الساحة لإيران تحقق مكاسب سياسية حقيقية في الوقت الراهن.
لهذا ستقوم إسرائيل بإقناع هذه الدول بضرورة إعادة النظر فيما يجري إيرانياً، خاصة أن الرهانات الإسرائيلية الاستراتيجية تمضي في إطار مسعى إيراني ملح ودؤوب في مسار امتلاك القنبلة النووية، ووقتها لن يكون هناك اتفاق ولن يكون هناك ضمانات من أي نوع لأي طرف.
إذن، تقف إسرائيل في صدارة المشهد المباشر لمواجهة إيران، وعدم القبول بالوضع الراهن؛ وهو ما يمكن البناء عليه لاحقاً إذ من الواضح أن الإدارة الأمريكية تتبني الموقف الإسرائيلي مع بعض التحفظات على الأسلوب والنهج، وأن الأمر لن يتوقف عند المراجعة الكاملة للاتفاق في مايو الحالي فقط، بل سيرتبط بالخطوة الأمريكية التالية والتي تتعلق بتطوير بنود الاتفاق، أو إضافة نصوص أخرى أو صياغة نص جديد أو ملحق استراتيجي مكمل.
وفي كل الأحوال لابد أن تدخل الإدارة الأمريكية والمجموعة الأوروبية في دائرة التفاوض من جديد مع إيران، وهو أمر محفوف بالمخاطر وقد يأخذ وقتاً طويلاً ممتداً، وهو ما قد تناور إيران في تفاصيله بالتأكيد بل وستعمل على إطالة فرصة التفاوض مما يكسبها شرعية الاستمرار مع الإنجاز، واستكمال مسار البرنامج النووي السري الذي سيكون الهدف الاستراتيجي في المدى المتوسط، وهو ما تدرك تبعاته الإدارة الأمريكية، وتتفهم الدوافع الإسرائيلية في تصدر موقف الدول الراغبة في تعديل الاتفاق أو إلغائه، أو إعادة طرح بدائل أخرى مثلما يطرح منذ توقيع الاتفاق أصلاً، وإسرائيل تحذر من بنوده وتبعاته، ولعل إشارات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو تصب في هذا الاتجاه مما يضع الأمر بأكمله في سباق مع الزمن، هل إسرائيل ستلتزم الخيار التفاوضي مع الدول الكبرى، بما في ذلك موقف الإدارة الأمريكية، أم أن هناك بدائل أخرى مطروحة؟.
لن تكتفي إسرائيل بالنظر من أعلى للمشهد، والقبول باستراتيجية إيران الراهنة، أو الدخول في سياسات رد الفعل التي تحاول طهران فرضها على الجميع مع اتباع توجهات وتصريحات سياسية إعلامية تركز على النفي والإنكار، والدخول في مشاحنات إعلامية عبثية تؤكد على حالة العداء التي تضمرها إسرائيل لإيران، وأنها ستستمر في التحريض على السياسات الإيرانية في الإقليم بأكمله مع محاولة توجيه الرسائل المتبادلة في كل الاتجاهات.
تملك إسرائيل الإمكانيات الاستراتيجية الكاملة للقيام بعمليات عسكرية على المنشآت الإيرانية، سواء في بوشهر أو أصفهان إضافة إلى منشأة بوردو التي أكدت إسرائيل أن إيران تقوم بعمليات التخصيب داخلها، وأنها لا تزال تبحث عن نموذج للوحدات الانشطارية والمحاكاة، وغيرها من الأساليب الإيرانية التي رصدتها أجهزة المعلومات الإسرائيلية، وأكدت على النهج الإيراني الراهن في السعي للتوصل إلى القنبلة النووية..
والرسالة هنا أن إسرائيل قادرة استراتيجياً على القيام بعمل عسكري منفرد بدعم أمريكي كامل، ربما إذا تم التوافق بشأنه بين تل أبيب وواشنطن، مع السماح للجانب الإسرائيلي بالقدرة على المناورة والتوجيه، والبديل البدء بضربات استهلالية على إيران في سوريا ولبنان، وهو ما يبدأ ويحدد إطار وشكل المواجهة المحتملة التي لن تذهب إلى خيارات صفرية في ظل الدعم الأمريكي البريطاني الفرنسي لإسرائيل، بصرف النظر عن الموقف الفرنسي وتبعاته.
وبالتالي فإن إسرائيل لن تكتفي برسائل التحذير والتهديد خاصة مع الضغوطات التي يتعرض لها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، والمتعلقة بتذكيره بأن مناحيم بيجين ضرب المفاعل النووي العراقي، وأن إيهود أولمرت ضرب المفاعل النووي السوري في مهده،ومن ثم فإن على رئيس الوزراء الحالي حسم الوضع النووي الإيراني، وضرب المفاعلات النووية مع التقدير الإسرائيلي الكامل بأن إيران لديها إمكانيات الردع المقابل مع طرح الاحتمال توظيف طهران لأطراف إقليمية تابعة، وعلى رأس هؤلاء حزب الله سواء في جبهة الشمال أو في داخل سوريا، حيث تتفق أجهزة المعلومات على ضرورة تحييد القدرات الاستراتيجية الإيرانية قبل أن تبدأ أية مواجهة إيرانية إسرائيلية؛ حيث تملك إسرائيل إمكانيات هائلة ترتبط بالجيل المحدث من القمر الاستراتيجي، والمعروف باسم " أفق" القادر على نقل كل ما يجري في الأراضي الإيرانية بالكامل؛ بما في ذلك المنشآت النووية، وهو أمر لم تكن إسرائيل تملكه منذ سنوات، وبما يتيح استراتيجياً تحديد الأهداف داخل إيران، والتعامل معها مباشرة في إطار ضربات خاطفة مستهدفة، رغم الإدراك الإسرائيلي برد فعل الدفاعات الإيرانية المتقدمة، والتي لا تتوقف عند الجيل الجديد من الصاروخ عماد وإطار تحديثه.
نحن إذن أمام خيارات وسيناريوهات متعددة في إطار المواجهة المرتقبة بين إيران وإسرائيل، ولكن كل الشواهد تشير إلى أنها قادمة بالفعل، وأن التوقيت سيحدده الجانب الإسرائيلي، وليس الإيراني استقواءً بموقف دولي حقيقي – برغم مناورات بعض الدول الكبرى- لمراجعة أسلوب ونمط التعامل مع إيران، وهو ما تتحسب له إسرائيل بصرف النظر عن مراجعة الاتفاق بالكامل من قبل الإدارة الأمريكية في مايو الحالي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة