تعليم ما بعد كورونا.. العالم يتحدى الفيروس بنظم مبتكرة
ملايين الطلاب عادوا لصفوفهم وبدأ بعضهم تلقي دروسه وجها لوجه داخل الفصول بينما فضل الآخر التعليم عن بُعد
خطوات جادة اتخذتها حكومات العالم لاستئناف الدراسة بعد أشهر من الإغلاق الإجباري لكبح تفشي جائحة كورونا، إذ أعاد بعضها الطلاب لمدارسهم منذ مايو/أيار.
في الوقت نفسه تستعد بعض المدارس لبدء العام الدراسي الجديد خلال أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول، لكن بطرق جديدة ومبتكرة تواكب خطة التعايش من الفيروس التاجي.
ملايين التلاميذ والطلاب عادوا لصفوفهم التعليمية وتلقوا دروسهم وجها لوجه في الفصول المدرسية، لكن عددا منهم فضل استئناف مستقبله التعليمي عن بُعد.
الفيصل في الاختيار غالبا هو النظام المتبع في الدولة، مع العلم أن بعض الحكومات أتاحت فرصة الاختيار بين النوعين للطلاب وأولياء أمورهم.
خطوة مهمة
منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) قالت إن العودة إلى المدارس خطوة مهمة رغم الظروف التي تتسم بها الحياة أثناء جائحة "كوفيد-19" وما تمثله من صعوبة للوالدين والأطفال على حد سواء.
وقالت المنظمة الأممية، عبر موقعها الرسمي منذ يونيو/حزيران: "بدأنا نرى شيئاً فشيئاً عدداً متزايداً من الأطفال يعودون إلى مدارسهم. وما زال أكثر من بليون طالب خارج المدارس بسبب الإغلاق الإجباري لكن أكثر من 70 بلدا أعلن عن خطط لإعادة فتح المدارس، وبالفعل عاد مئات الملايين من الطلاب إلى مدارسهم في الأسابيع الأخيرة".
وتابعت المنطة الأممية: "نظراً لصعوبة الأوضاع وتنوعاتها في جميع أنحاء العالم، تخوض الدول مراحل مختلفة من حيث كيفية التخطيط لإعادة فتح المدارس وتوقيت ذلك. وعادة ما تتخذ الحكومات هذه القرارات بعد وضع الصحة العامة وفوائد وأخطار استئناف التعليم ومصلحة الطفل في الاعتبار وباستخدام أفضل الأدلة المتوفرة، لكن ستتفاوت الكيفية التي ستبدو عليها هذه العملية بين مدرسة وأخرى".
عودة مختلفة
اليونيسيف قالت إنه من المرجح أن تبدو العودة إلى المدارس مختلفة قليلاً عما اعتاد عليه الجميع في السابق. ومن المحتمل أن تفتح المدارس لفترة من الوقت ثم يصدر قرار بإغلاقها من جديد مؤقتاً، وذلك اعتماداً على السياق المحلي، مطالبة الحكومات والطلاب وذويهم أن يستعدوا للتكيّف مع التطور المستمر للوضع من أجل التحقق من سلامة الجميع.
وشددت على ضرورة أن تكون إعادة فتح المدارس متسقة مع الاستجابة الصحية العامة لـ"كوفيد-19" في كل بلد، بهدف حماية الطلاب والموظفين والمعلمين وأسرهم، واقترحت عددا من الإجراءات العملية التي بوسع المدارس اتخاذها، كالتالي:
- التدرّج في بدء اليوم الدراسي وإنهائه، بحيث يبدأ وينتهي في أوقات مختلفة لمجموعات مختلفة من الطلاب.
- التدرّج في أوقات تناول الوجبات.
- نقل الصفوف إلى أماكن مؤقتة أو إلى خارج المبنى.
- تنظيم دوام المدارس على فترات، بغية تقليص عدد الطلاب في الصفوف.
المنظمة الأممية شددت أيضا على إجراءات النظافة الصحية، بما في ذلك غسل اليدين، والآداب التنفسية (أي احتواء السعال والعطس بالذراع بعد ثني الكوع)، وإجراءات التباعد الاجتماعي، وإجراءات تنظيف المرافق والممارسات الآمنة لإعداد الأغذية.
وقالت إن مرافق المياه والنظافة الصحية ستكون جزءاً حاسم الأهمية من إعادة فتح المدارس على نحو آمن، مشيرة لأهمية تدريب الموظفين الإداريين والمعلمين على ممارسات التباعد الاجتماعي وممارسات النظافة الصحية في المدرسة.
طرق مبتكرة
إعادة فتح المدارس بعدد من دول العالم خلال مايو/أيار، بعد إغلاق دام أكثر من شهرين، أعطى لمحة للوضع الذي سيكون عليه المجتمع التعليمي بعد انقضاء الجائحة وانتهاء الإغلاق الإجباري، إذ نفذت رؤى مبتكرة تتواكب مع الوضع الجديد.
الأفكار خارج الصندوق لجأت إليها الحكومات للتحايل على الواقع الجديد وتمكين ملايين الطلاب من السير قدما لاستكمال مستقبلهم التعليمي، بينها بريطانيا التي ابتكرت نظام "فقاعات الهواء"، وفنلندا التي فعلت نظام "التواصل عن بعد" بين الطلاب، وفرنسا التي فرضت التباعد الجسدي بـ"مربعات الطباشير"، وجميعها استندت لإجراءات احترازية مشددة للوقاية من عدوى "كوفيد-19".
بريطانيا قررت إعادة الطلاب لصفوفهم معتمدة على حيلة "فقاعات الهواء" التي تستند لمضاعفة مجموعات التلاميذ في الصفوف، وقالت إن على كل طفل العودة للمدرسة بدوام كامل ابتداء من سبتمبر/أيلول.
وقال وزير التعليم البريطاني جافين ويليامسون إن "العدد لكل فقاعة في الفصل سيصل إلى 30 تلميذا"، مشيرا إلى إضفاء تغييرات على قواعد التباعد الاجتماعي في الفصول الدراسية التي سبق ووضعت، بهدف استيعاب المزيد من التلاميذ.
أما فرنسا، التي أعادت الطلاب لصفوفهم منذ أشهر، منحت كل مدرسة حق تحديد كيفية الحفاظ على التباعد الجسدي بين التلاميد بالطريقة التي تراها ملائمة، لكن كان أبرز سلوك مشترك بينها "مربعات الطباشير"، إذ يحدد المعلمون مربعات بالطباشير في فناء المدرسة ليحافظ أطفال مرحلة الروضة على التباعد أثناء اللعب.
في فنلندا، وضمن إجراءات التباعد الجسدي، ابتكرت المدارس طرقا جديدة للتواصل بين التلاميذ، إذ دربتهم على كيفية "العناق من بعيد" على سبيل التحية، وأجبرتهم على ارتداء القفازات لمزيد من الحماية الصحية، كما فصلت بينهم داخل كل فصل بفواصل بلاستيكية.
الولايات الأمريكية لم تسر على نهج واحد فيما يخص استئناف العام الدراسي، ففي الوقت الذي قرر بعضها عودة المدارس جزئيا باعتبار أن التعليم وجها لوجه طريقة لا يمكن استبدالها، فعّل البعض الآخر نظام تعليم عن بُعد مبتكر حتى انتهاء الربع الأول من السنة الدراسية في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، يتألف من مزيج من التعليم المباشر ومجموعات العمل الصغيرة بين الطلاب والتعليم المُستقل لكل طالب.
تقسيم الفصول
حيلة لجأت إليها معظم الدول مثل ألمانيا، وكندا، وأستراليا، والصين، وسويسرا، واليونان، والتشيك، وقبرص، إذا قسموا كل فصل إلى فصلين لاستيعاب عدد الطلاب، بحيث تدرس كل مجموعة منهم في أوقات مختلفة خلال اليوم الدراسي.
في ألمانيا، جرى تقسيم كل فصل إلى اثنين بحيث يدرس الطلاب في مجموعتين لكل منها يوم مختلف، مع مراعاة توجيه التلاميذ بارتداء الكمامات داخل المدرسة وفي ملاعبها، مع السماح بنزعها داخل الفصل.
أيضا عمدت هولندا لتقسيم طلاب كل فصل إلى مجموعتين، تدرس إحداهما صباحا والأخرى بعد الظهيرة، مع نصب حواجز بلاستيكية لعزل كل طالب عن زميله، وتزويد مداخل الأبواب الداخلية بمطهرات.
وفي كندا، جرى تقليص عدد تلاميذ رياض الأطفال والمدارس الابتدائية في كل فصل، وإرغامهم على التزام التباعد الجسدي.
لكن أستراليا، التي أعادت بعض مقاطعاتها فتح المدارس، فضلت أن يحضر التلاميد يوما واحدا فقط في الأسبوع.
دول بصدد العودة
معظم الدول تستعد لإطلاق العام الدراسي الجديد خلال الأيام المقبلة، بعضها قرر تفعيل التعليم عن بعد مؤقتا حتى السيطرة على الوباء، والآخر قرر المغامرة وإعادة الطلاب لصفوفهم بعد تفعيل الإجراءات الوقائية.
الإمارات أعلنت استئناف الدراسة 30 أغسطس/آب، استنادا لخطط محكمة تفعل الإجراءات الوقائية والبروتوكولات المعتمدة قبل وأثناء الدوام المدرسي، بما يسهم في تحقيق أعلى معايير الصحة والسلامة في البيئة المدرسية.
وأتاحت وزارة التربية والتعليم الإماراتية لأولياء الأمور حرية الاختيار بين دوام أبنائهم في المدرسة أو التعلم عن بعد للفصل الدراسي الأول، بهدف تحقيق الاستقرار للمجتمع المدرسي والاطمئنان على سلامة الطلاب، وفي الوقت ذاته تلبية متطلبات التباعد الاجتماعي.
في الأردن، أعلنت وزارة التربية والتعليم استئناف الدراسة في الأول من سبتمبر/أيلول، موضحة أن التخطيط للعام الدراسي سيكون استثنائيا بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، لكن شكل العودة سيكون مرهونًا باستقرار الوضع الوبائي.
السعودية قررت استئناف الدراسة عن بعد للتعليم العام لـ 7 أسابيع، على أن يتم تقييم آلية الدراسة بعد انقضاء الأسابيع الـ 7 الأولى.
وقالت الحكومة السعودية إن الدراسة للجامعات والتدريب التقني ستكون عن بعد للمقرارات النظرية، وحضوريا للمقررات العملية، ومن المقرر حضور المعلمين عن بعد في الفصول الافتراضية، على أن يتم إطلاق منصة "مدرستي" للتعليم عن بعد مع استمرار بث "عين".
بينما أعلنت مصر بدء العام الدراسي الجديد اعتبارا من 17 أكتوبر/تشرين الأول، موضحة أن شكله ونظامه قيد الدراسة حاليا وجميع الاحتمالات واردة، وسيتم الاعتماد خلاله على استخدام التكنولوجيا الحديثة في عملية التعلم، والاستفادة من المنصات التعليمية التي أطلقتها وزارة التعليم منذ انتشار كورونا.
الهند بصدد بدء العالم الدراسي الجديد خلال سبتمبر/أيلول، إذ وضعت خططا لإعادة فتح المدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة بطريقة تدريجية وتشغيلها على مراحل، وأيضا من المقرر تقسيم الفصول ليتاح لكل 12 طالبا أياما معينة لحضور الدوام الدراسي، كما أنها تدرس مواصلة تلاميذ رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية الدروس عبر الإنترنت.