شهد حقل العلاقات الدولية تطورًا كبيرًا نتيجة تغيُّر أنماط الدبلوماسية بتغيُّر شكل النظام الدولي.
ونظرًا إلى هذه التغيرات برزت مجموعة من الدبلوماسيات الجديدة تختلف في طبيعتها وتكوينها عن الأنماط التقليدية.
وفي هذا السياق أدركت الدول أن مواقف السياسة الخارجية تتطلب استخدام أدوات دبلوماسية جديدة لمواجهة التحديات والقضايا العالمية المعقّدة، وتسهم أيضًا في تعزيز دور الدول وحضورها في الساحة الدولية.
وفي إطار هذا التطور في الممارسات الدبلوماسية تُمثّل دبلوماسية العلوم إحدى الأدوات الجديدة، فهي استخدام ذكي لحقول العلوم المختلفة في إيجاد فرص جديدة للتعاون بين الدول من خلال التركيز على القواسم العلمية المشتركة في مواجهة التحديات العالمية، مثل التصدي لجائحة "كوفيد-19".
وتُمثّل دبلوماسيةَ العلوم فئتان أساسيتان هما السياسيون، والعلماء، ويظهر دور الفئة الأخيرة جليًّا في إبراز دور المجتمع العلمي في التواصل مع أقرانه في الدول الأخرى من أجل بناء شراكات علمية.
وقد تكون فكرة تطبيق دبلوماسية العلوم -بصفتها نهجًا جديدًا- عاملًا جاذبًا للدول يدفعها نحو التركيز على أوجه التعاون المشترك، ويُبقيها قَدْر الإمكان بعيدة عن الصراعات السياسية، ولا سيَّما أن البنيان الفكري للعلوم لا يحتوي على مكونات سياسية أو أيديولوجية تجعل العلوم حكرًا على دولة أو أمة بعينها، بل العكس، وهذا ما يجعل العلوم مجالًا عامًّا للجميع، ولغة عالمية للتواصل بين الأمم.
ومن هذا المنطلق بدأ عدد من الدول في استخدام العلوم بصفتها أداةً دبلوماسيةً للتضامن في وجه الأزمات والتحديات العالمية، وتُسهم في تخفيف حدة التوترات السياسية بين الدول.. وقد استخدمت دولة الإمارات العربية المتحدة دبلوماسية العلوم بذكاء في جعلها إحدى أدوات القوة الناعمة، ما انعكس جليًّا على سلوك الدولة الدبلوماسي في مختلف المجالات والظروف.
وفي هذا المسعى استخدمت دولة الإمارات دبلوماسية العلوم بإعلان مشروعات علمية متقدمة، والتفاعل مع التحديات العالمية، فأفصحت بكل وضوحٍ عن رغبتها في اقتحام مجال علوم الفضاء، لتكون من أولى دول الشرق الأوسط في خوض غمار الكشوفات الفضائية.
وتجلّت هذه الرغبة الإماراتية في إعلان مشروع اكتشاف المريخ، مسبار الأمل، وكذلك مشروع اكتشاف كوكب الزهرة.
وتُسهم مثل هذه المشروعات العلمية المتقدمة في تعزيز العلاقات الثنائية الدبلوماسية مع الدول التي تمثل سلطة معرفية في حقل دراسات الفضاء، ما يعزّز دور دولة الإمارات علميًّا وعالميًّا بصفتها شريكًا في إنتاج المعرفة مستقبلًا، وفاعلًا أساسيًّا في تعزيز السلم والاستقرار العالميَّيْن.
كما كان لدولة الإمارات دور بارز في التصدي لجائحة كورونا، تَمثَّل في اتّباع أعلى المعايير العلمية والبحثية في سياساتها للحد من انتشار الوباء، والتعاون مع الدول الأخرى في تبادل المعلومات والبيانات الأساسية لمعرفة أسباب انتشار الوباء، إضافة إلى الدور الإماراتي النبيل في تقديم اللقاح إلى جميع الدول المنكوبة بدافع إنساني جليّ دون أي تمييز.
إن هذا المزج الفريد بين الدبلوماسية والعلوم يفتح آفاقًا جديدة لدولة الإمارات في ممارسة قوتها الناعمة على نحو فعّال.
نقلا عن "مفكرو الإمارات"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة