13 عاما دون تحلل.. تجربة علمية تثبت كفاءة التحنيط الفرعوني
أجرى فريق بحثي دولي تجربة طويلة الأمد على نموذج حيواني يحاكي الجسم البشري لاختبار فاعلية طريقة التحنيط الفرعونية.
ويُعرف عن المصريين القدماء إتقانهم لمهارات التحنيط من خلال تطوير مستمر للمواد والأساليب المستخدمة، مما مكّنهم من الحفاظ على الجثث لفترات طويلة بفضل المناخ الحار والجاف. ومع مرور الوقت، ازدادت طرق التحنيط تعقيدًا من المملكة القديمة إلى المملكة الجديدة، وصولًا إلى مرحلة تحقق فيها الحفاظ الممتاز للجثث البشرية. إلا أنه مع الفترات اللاحقة، أدت القيود الاقتصادية وفقدان المعرفة إلى تدهور جودة التحنيط حتى انقضت هذه العادة تدريجيا .
وظل فن التحنيط المصري القديم غامضا بسبب عدم توثيق التفاصيل الدقيقة لطرق التحنيط، ويستمد العلماء معلوماتهم الحالية بشكل رئيسي من دراسة الجثث المكتشفة في المقابر المصرية القديمة، إلى جانب تقارير مؤرخين يونانيين ورومان مثل هيرودوت وديودوروس سيكلوس، الذين وصفوا خطوات التحنيط الأساسية مثل الإزالة الداخلية للأعضاء، والتنظيف، والجفاف، والمعالجة السطحية، واللف بالكتان، رغم أنهم لم يزوروا مصر أبدًا وكانت تقاريرهم موجزة.

وعلى مر القرن العشرين، أُجريت عدة تجارب تحنيطية على الحيوانات لمحاكاة هذه التقنية، شملت الدجاج والحمام والفئران والأرانب، وأظهرت نتائج محدودة بسبب قصر فترات المراقبة أو اختلاف حجم الجسم وملمسه عن البشر، ومع ذلك أظهرت هذه التجارب جدوى التقنية التي وصفها هيرودوت. أما التجارب على الجثث البشرية فقد كانت قليلة، منها مشروع "تحنيط الأجساد القديمة "في 1994 باستخدام جثة كاملة، لكن المعلومات المنشورة حوله محدودة ولا تتضمن متابعة وزن الجسم على المدى الطويل أو بيانات دقيقة عن التحاليل النسيجية والميكروبيولوجية.
واستنادا إلى هذه الفجوات، قرر الباحثون بقيادة أندرياس نيرليش، من معهد الطب الشرعي بجامعة لودفيغ ماكسيميليان ميونيخ بألمانيا، استخدام خنزير صغير بحجم بشري، يزن 88 كيلوجرامًا ويبلغ طوله 1.30 متر، لتقليد الجسم البشري في تجربة تحنيط طويلة الأمد. تم تنظيف الجسم وإفراغ الأحشاء وملؤه بالتوابل وأكياس النطرون، وتغطيته بـ240 كيلوجرامًا من النطرون لمدة 40 يومًا، ثم أعيد فتحه ومعالجة السطح بالخمور والزيوت والشمع والعسل والبيتومين، وأخيرًا لف الجسم بضمادات الكتان.

تمت متابعة وزن الجسم على مدار 13 عاما، وأُجريت فحوصات دقيقة بعد 7 و13 عامًا شملت التصوير المقطعي المحوسب (CT)، وتحليل الأنسجة، والفحوصات الميكروبيولوجية. وأظهرت النتائج المنشورة بدورية " هيرِتِغ "، فقدان الجسم لأكثر من 66% من وزنه خلال السنة الأولى، ثم تباطأ فقدان الوزن بشكل ملحوظ في السنوات اللاحقة. كما كشفت الأشعة أن القلب والعضلات والجلد والأنسجة الرخوة بقيت محفوظة بشكل جيد رغم الانكماش، مع وجود بعض فقاعات الهواء في العضلات فقط، فيما فقدت الكلى والأعضاء التناسلية الداخلية. وأكدت التحاليل النسيجية والميكروبيولوجية وجود حفظ ممتاز للأنسجة مع جراثيم لاهوائية محدودة دون أي غزو فطري أو طفيل.
وأكد الباحثون أن هذه التجربة الطويلة الأمد تدعم بقوة فعالية طريقة هيرودوت للتحنيط، وتوضح إمكان استخدام هذا النموذج الحيواني لتقييم طرق حفظ خاصة للأعضاء الرخوة الفردية، ما يفتح الباب أمام فهم أعمق لفنون التحنيط المصري القديم التي ظلت لغزا لآلاف السنين.