أي مصير ستحدده قمة جلاسكو للمناخ للكوكب الأزرق، الذي بات يعاني إشكالية التغير المناخي وأزمات تكاد تذهب بالبشر والحجر دفعة واحدة؟
الشاهد أنه ربما منذ قمة مالطا، التي انعقدت في فبراير عام 1945، أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تنل قمة ما أهمية من حيث خطورة محتواها كما الحال مع قمة المناخ الحالية في جلاسكو باسكتلندا، والتي يعهد إلى الحاضرين فيها بمستقبل الكرة الأرضية.
والشاهد أن حبرا كثيرا أريق على الأوراق بشأن أحوال المناخ القلقة والمضطربة، وما يمكن أن يحدث للبشر وكل كائن حي.
ومع ذلك، يبقى التساؤل الذي صدر عن ملكة بريطانيا، إليزابيث الثانية: "هل سيكتفون بالكلام فقط أم سيشرعون في عمل جاد قادر على استنقاذ البسيطة من غضبة الطبيعة في الحال، وتجنب تصاعد ثورتها ضد البشر في الاستقبال؟
الجواب يبدأ من عند إلقاء نظرة على القوى الدولية المتصارعة في إطار الأزمة، وليس سرا أو جديدا القول إن الأقطاب الصناعية الكبرى هي التي تسببت بشكل رئيس في تلويث المناخ العالمي منذ زمن الثورة الصناعية حتى الساعة، لا سيما عبر استخدامها الوقود الأحفوري والكربون تحديدا، ما خلف كميات من غاز ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان، جميعها تركت وراءها تأثيرات قاتلة على بيئة كوكب الأرض.
هناك مشهد يثير المخاوف، حتى قبل أن تبدأ القمة، وهو مشهد متعلق بغياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أعمال قمة جلاسكو، الأمر الذي يطرح تساؤلات عميقة حول علاقة روسيا بالمناخ، وهل من مصلحة لها في أن تستمر تدهورات الطبيعة على هذا المنوال؟
الجواب مثير للسخرية، ذلك أنه وفيما يشكل ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية خسائر جسيمة لغالبية قارات ودول العالم، ترى روسيا أن تلك التغيرات المناخية يمكن أن تتحول إلى مكسب لها.. كيف ذلك؟
نقرأ في تقرير أعدته صحيفة "نيويورك تايمز" عن مدينة روسية ساحلية صغير تدعى "بيفيك"، أقصى شمال روسيا، كيف أنها بدأت تستفيد من ارتفاع درجة الحرارة لتحريك عجلة الاقتصاد، حيث تم بناء ميناء ومحطة جديدة لتوليد الكهرباء، وأعيد تعبيد الطرق.. ومع ارتفاع درجة الحرارة، توسعت الأراضي الصالحة للزراعة، وبدأ المزارعون زرع الذرة، وذلك لم يكن ممكنا في السابق بسبب الطقس البارد، كما انتعش الصيد البحري في مياه المحيط المتجمد بعدما توفرت فيه الأسماك.
الفائدة الحقيقية لروسيا من التغير المناخي تتمثل في ذوبان الثلوج جهة القطب الشمالي، الأمر الذي يمكن أن يحقق حلما روسيا بإيجاد طريق بديل لحاوياتها.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن سياسات الكرملين متناقضة تجاه التغيرات المناخية، وإن شاء المرء الدقة يمكنه القول "براجماتية إلى أقصى حد ومد"، لا سيما بعد أن بدأت مجموعة من الشركات، تدعمها الحكومة، خطة لاستثمار 735 مليار روبل، أي نحو 10 مليارات دولار، على مدى خمس سنوات لتطوير الممر الشمالي الشرقي، وهو ممر ملاحي بين المحيط الهادئ والمحيط الهندي، يسميه الروس طريق "بحر الشمال" لجذب الشحن البحري بين آسيا وأوروبا.
الواقع يخبرنا بأن المزيد من انبعاثات غاز الكربون، وإن يسرت عودة اقتصادية قوية، فإنها لن توفر أسواقا تستقبل السلع بسبب تدهور الأحوال الاقتصادية حول العالم، بالإضافة إلى انعكاس ذلك على مزيد من الفيضانات والعواصف التي ستتعرض لها الأرض.
هل كان جون كيري، المبعوث الأمريكي للمناخ، على حق حين تحدث مؤخرا عن تخفيف التوقعات بشأن القمة التي تعقدها الأمم المتحدة؟
"كيري" يدرك عمق الإشكالية، حيث نقاط الصراعات السياسية الخلافية أكبر وأخطر من أي لمحات أو مسحات اتفاقية يمكن أن تطفو على السطح.
يدرك "كيري" كذلك أن بلاده ليست بريئة كل البراءة من تلوث المناخ، إذ لا يزال لوبي الفحم ضارب النفوذ في الداخل الأمريكي، وهناك من يحميه من رجالات الكونجرس، أولئك الذين يبيعون الديمقراطية على الأرصفة لصالح تبرعات شركات النفط والغاز والكربون ومن يدفع أكثر.
المجتمعون في جلاسكو، ومن أسف، أمامهم إشكالية عريضة، وهي أن وسائل الطاقة المتجددة والنظيفة، أوضحت عقب أزمة انتشار جائحة كورونا، كم هي هشة وضعيفة وغير قادرة على القيام بنفس الدور المنوط بالطاقة الكلاسيكية، ما يجعل البشر بين شقي رحى، ويضحي القرار من الصعوبة بمكان.
أخيرا، وقبل الانصراف ينبغي علينا أن نأخذ تحذير رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، بعين الاعتبار، فالرجل تكلم عن استبعاده تحقيق فكرة جمع 100 مليار دولار من الدول الغنية لمساعدة دول العالم الثالث النامية الفقيرة لمواجهة تبعات التغيرات المناخية.
هل تنتحر الخليقة على أبواب جلاسكو؟
التساؤل صعب، بل ومر، غير أن المشهد البيئي العالمي خطير، ومن غير تضحيات وتنازلات جسام من الكبار الذين تسببوا في دمار الكوكب، سيكون هلاك الأرض وشيكا.
لا يحتاج الأمر إلى مزايدات كلامية أو لغوية، بل إلى مقررات عالمية وسخاء دولي من العظماء السبعة بنوع خاص، وإلا فالأسوأ لم يأت بعد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة