من برلين لدول الجوار.. جهود دبلوماسية لإنهاء الأزمة الليبية
المجتمعون في برلين تعهدوا بالتأكيد على القرارات الأممية بحظر التسليح المفروض على البلاد ونزع سلاح المليشيات ووقف تدفق المرتزقة الأجانب
شهد الأسبوع الماضي جهودا دبلوماسية دولية وعربية في محاولة لإيجاد حل للأزمة الليبية، بداية من مؤتمر برلين وصولا إلى اجتماع وزراء خارجية دول الجوار الليبي في الجزائر.
- مؤرخ ليبي لأردوغان: أجدادك تخلوا عنا وقت الاحتلال الإيطالي
- صحيفة ألمانية: قمة برلين عززت موقف الجيش الليبي
واستهل الأسبوع بمؤتمر برلين الذي عقد الأحد الماضي، وخرج بمجموعة من التعهدات تسهم في استقرار ليبيا، من بينها التأكيد على القرارات الأممية بحظر التسليح المفروض على البلاد، ونزع سلاح المليشيات وتفكيكها، وإعادة تأهيل منتسبيها ودمجهم فرادا وليس جماعات في المؤسسات.
كما أوصت مخرجات المؤتمر بضرورة وقف تدفق المرتزقة الأجانب إلى ليبيا، والرفض القاطع للإرهاب وللعنف أيا كان شكله ومصدره، وهو الأمر نفسه الذي دعت له عدة لقاءات دولية، من بينها مؤتمر وزراء خارجية دول جوار ليبيا الخميس.
سحب الاعتراف من الوفاق
من جانبه، يرى العميد ركن دكتور شرف الدين سعيد العلواني الخبير الاستراتيجي الليبي، أن هذه الاجتماعات الدولية ستسهل عملية اعتراف الدول السبع الكبرى ومجلس الأمن والأمم المتحدة بخطأ الاعتراف بحكومة فايز السراج.
وأضاف، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أنه أصبح لزاما سحب هذا الاعتراف كحل وحيد للأزمة خاصة مع ما تقوم به تركيا وقطر بإرسال الإرهابيين من سوريا ودخول السلاح ومنظومات الدفاع الجوي والطائرات المسيرة، وهو ما يطيل أمد المعركة، خاصة أن قادة المليشيات إرهابيون مطلوبون دوليا ودواعش ومهربو نفط وهجرة غير شرعية.
وأكد الخبير العسكري أن الجيش الليبي استفاد من هذه الاجتماعات كالاعتراف الدولي به كمفاوض رئيس عن الشعب الليبي الذي يدعمه، كونه فعليا جيشا منظما واستحق عودته كقوة أفريقية نال بها الترتيب التاسع، واستطاع أن يرجع الشرق والجنوب والهلال النفطي من براثن الدواعش وداعميهم من قطر وتركيا، ويحارب في المنطقة الغربية مع مراعاة أخلاق الاشتباك للجيوش النظامية.
وأشار إلى أن تطبيق الجيش الليبي لتعبئة عسكرية حسب أصولها بجيش مدرب ومنظم ومنضبط، والتزام أفراده بأوامر قياداته، أعطى المشير خليفة حفتر قوة تفاوضية، ولم يطلب منه الرجوع خطوة واحدة.
ونوه أن هذه التحركات التي تدعو الشعب الليبي إلى أخذ مسار الديمقراطية والحل السلمي عليها أن تضع في حسبانها مجلس النواب وأن يكون له الرأي والقدرة للتشريع والمساءلة واعتماد أي حكومة من عدمها، وعدم النظر لحكومة السراج التي تتحكم في البنك المركزي ومبيعات النفط لتوريد المرتزقة والإرهابيين رغم كونها لم تعتمد أصلا من البرلمان، بالإضافة إلى العوار التشريعي كون 5 من أصل 9 من أعضاء المجلس قدموا استقالتهم.
من يريد الحل؟
بدوره، يرى الدكتور عبدالحكيم فنوش، الأكاديمي والمحلل السياسي الليبي، أن بعض المنخرطين في الأزمة الليبية الذين اجتمعوا في العديد من الدول لن يبحثوا عن حل وتسوية شاملة لإنهاء الأزمة.
وقال في تصريح لـ"العين الإخبارية": "إن ما يعقد المسألة أكثر أن الليبيين أنفسهم لم يتفقوا على ما قد يوصف بحل الأزمة الليبية"، مؤكدا أن بعض الأطراف لا تريد حلا بل ترغب في إطالة أمد الأزمة وإداراتها عوضا عن الخروج منها.
وأشار إلى أنه من الصعب أن تتوحد الرؤى الدولية حول مخرج يكون هو الحل المناسب لجميع الأطراف المشاركة في المباحثات، ففي حين أن ما تراه أمريكا حلا قد لا يروق لروسيا وما تراه مصر والدول العربية حلا تخاصمه تركيا.
وأضاف فنوش، "أن الليبيين عليهم أن يكفوا عن مطاردة وهم انتظار مصيرهم من أطراف تتخاصم عليهم وأن يفرضوا حلهم الذي يناسبهم"، مشيرا إلى أن الليبيين المقصودين هنا ليس من بينهم -حكومة فايز السراج- الذين فرضوا فرضا من قبل أطراف خارجية أدعت لهم شرعية لتدير الحالة الليبية من خلالهم.
وشدد المحلل السياسي الليبي على أن من يملك حل الأزمة الليبية فعلا هم من يقاومونهم ويرغبون في استرجاع سيادة ليبيا والخلاص من المشروع الخارجي الذي تم من خلاله السيطرة على مصير البلاد.
وأكد أن هناك من يعملون على إنهاء حالة الاحتلال التي يمثلها المشروع الخارجي ومنع استدعاء القوات الأجنبية، ليعيش الليبيون حالة تحرر لفرض إرادتهم ويصنعوا مصيرهم بأيديهم عوضا عن انتظاره من أطراف تتخاصم عليهم وتستبيحهم.
انقلاب السراج
من جانبه، أكد المحلل السياسي الليبي محمد الترهوني أن الجيش الليبي استفاد كثيرا من تزايد وتيرة الجهود الدبلوماسية الدولية، مع سحب الطاولة الدبلوماسية من حكومة فايز السراج -غير المعتمدة- من مجلس النواب، ومن حليفها التركي.
وقال الترهوني في تصريح لـ"العين الإخبارية": "إن الدول العربية والشقيقة كانت تحاول البحث عن حل للأزمة بأقل الخسائر الممكنة لكي لا تتضرر من المعارك في ليبيا إلا أن هذه الجهود لن تكون نهاية للأزمة الليبية".
وأوضح أن السراج دائما ما انقلب على تعهداته من حل المليشيات ونزع سلاحها -وهي ضمن بنود اتفاق الصخيرات عام 2015- ومخرجات كل من باليرمو وباريس واللقاءات الدولية المتتالية.
وشدد على أن جميع دول العالم أصبحت موقنة بأن موقف القيادة العامة للجيش الليبي هو الأقوى، خاصة بعد تأكيدها الدائم على الثوابت الوطنية التي لا يختلف عليها أحد، من القضاء على الجماعات الإرهابية ونزع سلاح المليشيات وتفكيكها، وغيرها من الاشترطات، بالإضافة إلى التزامها بتعهداتها في حين انقلب عليها الطرف الآخر.
وأكد الترهوني أن الاتفاق السياسي من المستحيلات، ولكن الجيش الليبي يشارك في هذه المحادثات إرضاء للأشقاء والأصدقاء، بالإضافة إلى تيقنه بأن تركيا والسراج لن يلتزما بما يتعهدان به وهو ما تم من خلال الخروقات المتوالية منهما لتعهدات مؤتمر برلين.
وشدد على أن الموقف العسكري هو الموقف الأكثر جديا والمطلب الأكبر لليبيين، وأنه هو الحل الوحيد مع تحالف تركيا والسراج والجماعات الإرهابية.
ورغم إعلان الهدنة في العاصمة الليبية طرابلس، إلا أن الجيش الليبي رصد أكثر من 100 خرق ارتكبتها مليشيات حكومة الوفاق، من بينها تدفق المرتزقة.
وبحسب اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الليبي، وصل عدد المرتزقة الأجانب إلى نحو الـ 2000، ورصدت مواقع متابعة لحركة الطيران المدني أكثر من 10 رحلات بين مطاري معيتيقة وإسطنبول.
كما نجحت دفاعات الجيش الليبي في إسقاط طائرة تركية مسيرة خلال إغارتها على تمركزات الجيش الذي ما زال ملتزما بوقف إطلاق النار.
والخميس، استضافت الجزائر أكبر اجتماع لدول الجوار الليبي، يضم جميع الدول التي ترتبط بحدود جغرافية مع ليبيا أو تأثرت بتداعيات الأزمة في هذا البلد العربي والأفريقي.
وجاء الاجتماع الأكبر من نوعه لوزراء خارجية دول الجوار الليبي، بعد التحركات الدبلوماسية الكثيفة التي قادتها الجزائر ومصر لتجنيب ليبيا حربا جديدة، بعد أن قرر النظام التركي إرساله جنودا ومرتزقة من داعش لدعم مليشيات السراج في طرابلس.
واتفق المشاركون في اجتماع دول الجوار الليبي على 5 مبادئ أساسية تدعم مخرجات مؤتمر برلين، أبرزها رفض التدخل الخارجي وحظر توريد الأسلحة، والتأكيد على أنه لا حل للأزمة الليبية إلا بشكل سياسي وأن يكون بين الليبيين وحدهم.
كما اتفقوا على دعم وحدة الأراضي الليبية واحترام سيادتها كدولة واحدة موحدة، وإشراك دول الجوار في الجهود الدولية لحل الأزمة، بالإضافة إلى إشراك الاتحاد الأفريقي باعتبار ليبيا عضواً فيه.
والأحد، استضافت العاصمة الألمانية برلين فعاليات مؤتمر "السلام في ليبيا"، بمشاركة دولية رفيعة، وسط مساعٍ لإيجاد حل دائم وشامل للأزمة.
وانتهى مؤتمر برلين بإعلان المشاركين التزامهم بقرار الأمم المتحدة الخاص بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا ووقف تقديم الدعم العسكري لأطراف الصراع.
واتفق المشاركون في البيان الختامي الذي وقعت عليه 16 دولة ومنظمة، على بذل جهود دولية لتعزيز مراقبة حظر تصدير السلاح، مطالبين بتسريح ونزع سلاح المليشيات وفرض عقوبات على الجهة التي تخرق الهدنة.
وطالب البيان الختامي بإصلاح قطاع الأمن في ليبيا للعمل على قصر استخدام القوة على الدولة وحدها.
كما نص على احترام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان ومحاسبة كل من يتورط في شن هجمات على مدنيين أو القيام بأعمال خطف وقتل خارج إطار القانون.