مؤرخ ليبي لأردوغان: أجدادك تخلوا عنا وقت الاحتلال الإيطالي
المؤرخ والأكاديمي الليبي الدكتور وليد شعيب يقول إن الدولة العثمانية عملت لمصالحها الخاصة، وكانت دولة جباية ومذابح ودم وتخلت عن الليبيين في عز الأزمة
كذب مؤرخ ليبي مزاعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول كون أجداده العثمانيين قادوا حركة "جهاد" ضد الاستعمار الإيطالي في ليبيا بداية القرن العشرين.
وقال المؤرخ والأكاديمي الليبي الدكتور وليد شعيب أستاذ التاريخ بجامعة طبرق لـ"العين الإخبارية" إن الدولة العثمانية عملت لمصالحها الخاصة، وكانت دولة جباية ومذابح ودم وتخلت عن الليبيين في عز الأزمة وتنازلت عنها إلى إيطاليا.
وتابع: "لا مسلمون ولا خلافة إسلامية.. هذه الإجابات من خلال وثائق الأتراك أنفسهم لا يستطيعون إنكار ذلك كان همهم مصلحة تركيا فقط لا غير".
وأضاف أن ليبيا ليست إرثا عثمانيا، وأن ما كان يُسمى الباب العالي في تركيا تنازل عنها أرضا وسكانا للمحتل الإيطالي بموجب معاهدة أوشي لوزان يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 1912، والتي تم توثيقها بالصور في فندق بوريفاج بمدينة لوزان السويسرية .
وفي خطاب له مؤخراً أمام حزبه (العدالة والتنمية الحاكم)، زعم أردوغان أن ليبيا ميراث من العثمانيين ومن الضابط العثماني مصطفى كمال أتاتورك، الذي ادعى أنه قاد الليبيين سنة 1911 وجيّشهم ضد الاستعمار الإيطالي.
أردوغان يكذب
المؤرخ الليبي وصف أردوغان بأنه "كاذب" فيما يتعلق بادعائه عن دور جماعة الاتحاد والترقي التركية، التي انقلبت على السلطان عبدالحميد بمساعدة الليبيين، في الجهاد في ليبيا ضد الاحتلال الإيطالي.
ومضى في حديثه، قائلا: "عام 1908 أكدت جماعة الترقي أن ولاية طرابلس الغرب من الولايات التي لا تفيد الدولة العثمانية بالمال، ويجب على الحكومة الاقتصاد في الإنفاق عليها، وهذا منشور في صحيفة طنين التركية في هذا العام".
ليس هذا فحسب؛ بل إن شعيب ذكر أن الجمعية العثمانية أكدت بعدم رغبتها في تحصين ولاية طرابلس الغرب من أي عدوان مفاجئ أو إراقة دم أي عسكري واحد لحمايتها.
وأشار إلى أن تركيا كانت دولة جباية وتخلت عن ليبيا لعدم قدرتها الدفاع عنها لعدم جدواها الاقتصادية، كما جاء في المرسوم العثماني بمنح الحكم الذاتي الكامل لها لعدم رغبتها في تأمينها ماليا.
وشدد على أن ذلك كان أهم ملامح حكم العثمانيين في القرن الـ19، الذي ارتكز على جباية الضرائب واستخدموا بعض مشايخ القبائل في برقة ضد أبناء جلدتهم فكان الأتراك وهؤلاء المشايخ يستغلون أبناء القبائل المغلوب على أمرهم من أجل مصالحهم مقابل بعض العطايا، ونسبة تسمى التقدمة -حوالي 5% من الضرائب التي يجبونها من أبناء قبائلهم.
ونفى الأكاديمي الليبي صحة ما ردده أردوغان عن مشاركة الأتراك في صنع تاريخ ليبيا أو جهادها، قائلا: "لا لا كلام غير صحيح.. الذين صنعوا تاريخ ليبيا هم الليبيون.. وقوائم الشهداء في الأرشيف الإيطالي تشهد على ذلك".
بيع ليبيا
المراجع التاريخية والوثائق الموجودة في كتاب الدكتور محمد عبدالكريم الوافي (الطريق إلى لوزان.. الخفايا الدبلوماسية والعسكرية للغزو الإيطالي لليبيا)، تتحدث صراحة عن تخلي العثمانيين عن الليبيين، بحسب ما ذكره المؤرخ شعيب.
وأضاف: "الرد على أكاذيب أردوغان موجود أيضاً في رسالة دكتوراه بجامعة بريستون الأمريكية لريتشيل سايمون بعنوان ليبيا بين العثمانية والقومية.. التورط العثماني في ليبيا أثناء الحرب مع إيطاليا".
وأكد أن الخارجية العثمانية طالبت ضباطها بالانسحاب من ليبيا وتركها للإيطاليين، مشيرا إلى أن مراسلاتها بتاريخ 28 ديسمبر/كانون الأول 1912 طلبت فيه انسحاب العسكر التركي من ليبيا بعد توقيع اتفاقية (أوشي لوزان) مع إيطاليا.
وتنص المراسلة -بحسب شعيب- على إعطاء تركيا أوامرها لجنودها للانسحاب من قيادتي بنغازي وطرابلس، وقد انسحبوا بالفعل إلا أن فتوى أحمد الشريف السنوسي -مجاهد وزعيم وطني ليبي- للاستمرار في الجهاد ضد الإيطاليين كفرض عين وقتل كل من يخالف هذا الأمر جعل جنودا أتراكا يضطرون لمسايرة هذا الأمر حتى تتسنى لهم الفرصة بالانسحاب.
وبالفعل انسحبت الحامية التركية بالكامل لاحقا من كل ليبيا من مرفأ الملاحة شرق طبرق، بعد أن غدروا بالليبيين وأقاموا فيهم المذابح، وفقاً للأكاديمي وليد شعيب.
مذابح الأتراك ضد الليبيين
لم يكتف الأتراك بهذا التاريخ الأسود في ليبيا؛ بل أقاموا عدة مذابح ضد أبنائها، وسحقوا مشايخ قبائل (الجوزاي) و(العقوري) بالقلعة في بنغازي باعتبار أنهم متمردون.
ويروي الأكاديمي الليبي أن الأتراك غدروا بمشايخ القبائل الليبية وارتكبوا مذبحة (الشويمرة) ضد 40 من البطنان –شرق ليبيا- بعد أن تم دعوتهم للحضور للتحاور حول أمور الجهاد، وهو ما وثقته المراجع التاريخية وخطابات الخارجية التركية.
وبحسب شعيب، فإن "أجداد أردوغان شنوا حملات على قبائل إقليم برقة -شرق ليبيا- ما أدى إلى تنقل السكان نحو الحدود الشرقية مع مصر وآخر هذه المذابح مذبحة قبائل (المنفة) في منطقة (الشويمرة) شرق مدينة طبرق".
وكشف المؤرخ الليبي عن قيام الأتراك بقتل 60 فردا من (المنفة) عام 1913، وهي قبيلة رمز الجهاد الليبي عمر المختار، متسائلا: "كيف يدعي أردوغان أن أجداده جاهدوا ضد الطليان وقد قتلوا شيوخ قبيلة من أهم قبائل الجهاد في ليبيا؟".
العثمانيون الجدد
تاريخياً حاول الأتراك العثمانيين إثارة الفتنة بين أطراف الجهاد في ليبيا متمثلا في السيد أحمد الشريف السنوسي -أحد أمراء الجهاد شرق ليبيا- والشعب المصري وقياداته عام 1915، ليثنوا أهل مصر عن مساندة المجاهدين الليبيين، وفقاً لـ"شعيب".
حينها ادعى العثمانيون أن الشريف لا يريد المشاركة مع الأتراك في الحرب ضد الإنجليز وإنقاذ الشعب المصري من الاحتلال لكن القادة المصريين فطنوا لهذه المكيدة واستمروا في دعم الجهاد الليبي.
واتهم شعيب تنظيم الإخوان الإرهابي بالتسبب في الفساد والدمار ببلاده، حالياً، لكونهم مجرد أداة في يد العثمانيين الجدد، مؤكدا أن هؤلاء حديثو العهد في ليبيا؛ حيث ظهرت نواة جماعتهم في بداية الخمسينيات من الهاربين من مصر حوالي عام 1949 ولم يكن لهم دور بارز.
وأوضح أن الملك إدريس السنوسي لم يكن يدرك حينها خطورة الإخوان على ليبيا، كما أنهم حاولوا التقرب من السلطة كعاداتهم ولكن الزعيم الراحل معمر القذافي تفطن لهم بعد ما فعلوه من أساليب إرهابية بمصر في الثمانينيات فقام باعتقالهم ووضعهم في السجون.
وأشار إلى أن تنظيم الإخوان الإرهابي استغل أحداث 17 فبراير/شباط 2011 وخرجت عناصره في ساحة المحكمة ببنغازي لبث سمومهم بمساعدة كل من قطر وتركيا وسط غفلة من الليبيين الذين لم يفكروا إلا في الإطاحة بالقذافي.
وأشار إلى أن العثمانيين الجدد في تركيا يحاولون إثبات ادعاءات كاذبة ساعدهم فيها تنظيم الإخوان الإرهابي في ليبيا وأن أردوغان الملوث اليدين بالدم يدعي ما ليس له بأنهم شاركوا في الجهاد.
واختتم المؤرخ الليبي وليد شعيب حديثه، بقوله: "في الحقيقة ما نراه الآن من إرهاب تركي في بلادنا ليس إلا جزءا لا يتجزأ من سلسال الدم والإرهاب التركي عبر التاريخ".