مقتل سليماني وخسارة الانتخابات.. عويل مليشيات إيران في العراق
عويل يتعالى لمليشيات إيران بالعراق في تباكٍ يتزامن مع الذكرى الثانية لمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني ويستحضر هزيمتها بالانتخابات.
ذكرى تحييها المليشيات بعد عامين من حادثة مطار بغداد التي قتل فيها سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد أبومهدي المهندس.
وشهد الصراع بين واشنطن وطهران احتداماً كبيراً إبان فترة الرئيس السابق دونالد ترامب، دفع الأخير إلى توجيه أوامر عسكرية بتصفية قائد فيلق القدس ورفيق دربه في العراق أبومهدي المهندس.
ووجهت طائرة مسيرة أمريكية، فجر 3 يناير/ كانون الثاني 2020، ضربة صاروخية استهدفت موكباً عند مطار بغداد، يضم سليماني والمهندس وأسماء مهمة أخرى، انتهت مقتلهم جميعاً.
وفتحت حادثة المطار حينها الحرب بين الطرفين على أبوابها ووسعت من طرق المواجهة فضلاً عن تغيير في قواعد الاشتباك جعل المنطقة برمتها على صفيح ساخن.
واعتبر ما جرى ضربة قاصمة لإيران وأذرعها المليشياوية ليس في العراق فحسب، وإنما في كل البلدان التي تمتلك فيها نفوذا وامتداداً، لما يمثله سليماني من قدرة وتأثير كبيرين على ضبط وتحرك تلك الفصائل.
وكان المرشد الإيراني علي خامنئي الذي ظهر باكياً وهو يئم جثمان القتلى في طهران، قد توعد بالثأر من الولايات المتحدة وملاحقة أماكن تواجدها "أينما كانت".
بعد عامين
واليوم وبعد مرور عامين على تلك الواقعة، تنازع الفصائل الموالية لإيران انقراضها ووهن قوت سلاحها بعد أن دفعت التطورات التي تلت حادثة المطار إلى تراجع شعبيتها ولفظها من قبل الشارع العراقي.
وكانت المليشيات المسلحة صعدت من هجماتها عقب حادثة مقتل سليماني باستهداف القواعد الأمريكية بالعراق في خروقات باتت شبه متكررة، ما دفع واشنطن إلى التهديد بإغلاق سفارتها في بغداد وإنهاء تمثيلها الدبلوماسي.
وغالباً ما كانت تلك الهجمات تخطئ أهدافها ويكون ضحاياها من المدنيين والمدن المأهولة بالسكان، ما رفع من مستوى الغضب الشعبي بضرورة إيقاف تلك الخروقات وضبط بوصلتها.
وتحت ضغط مليشياوي كبير، جاء قرار البرلمان العراقي، بعد أيام من مقتل سليماني والمهندس، بالتصويت على مغادرة القوات الأمريكية والأجنبية من البلاد، في وقت أبدت فيه قوى سياسية مخاوفها من تداعيات ذلك القرار، والخشية من استغلال ذلك الفراغ من قبل الفصائل المسلحة وتنظيم داعش.
وحتى الأحد، وتزامناً مع الذكرى الثانية لمقتل سليماني، هاجمت طائرتان مسيرتان، تحملان شعار "عمليات ثأر القادة"، قاعدة "فيكتوري" عند مطار بغداد قبل أن يسقطهما نظام الدرع الصاروخية الـC-RAM.
تراجع
يقول المحلل السياسي العراقي إحسان عبدالله، إن "الضربة الأمريكية التي أنهت حياة سليماني والمهندس قلصت من قدرة تلك المليشيات وعمرها الافتراضي المخطط له من قبل طهران".
ويضيف عبدالله، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "تداعيات الغارة الأمريكية عند مطار بغداد ظهرت ملامحها بشكل جلي وواضح من خلال ما نشهده اليوم في تشظي الفصائل المسلحة وفقدان القوة المركزية على ضبط إيقاعها، رغم محاولات إيران الحثيثة لردم الفراغ الذي خلفه سليماني والمهندس".
وبالإطاحة بقائد فيلق القدس، تكون إيران قد فقدت الفوهة الأكثر قدرة على إخراج قنابلها باتجاه العراق والمنطقة برمتها، كما يقول عبدالله، قبل أن يتابع: "كان سليماني أيقونة في الدعاية والتأثير كلفت طهران ثمناً باهظا على مدار أكثر من أربعة عقود وانتهت في ضربة صاروخية مسيرة".
خسائر
ويقترب من ذلك الرأي، المحلل السياسي علي الكاتب، إذ يرى أن "أبسط خسائر إيران بعد مقتل سليماني كبيرة إذا ما نظرنا إلى الجوانب التأسيسية والبنائية التي اشتغلت عليها إيران في العراق لسنوات طوال، وبنت عليها مسارات مكلفة خاطرت من أجلها بمصير نظام بأكمله".
وعقب بالقول لـ"العين الإخبارية": "كان المخطط والمعول عليه أن تنفرد المليشيات الولائية في المشهد العراقي، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بالسيطرة على الدولة شيئاً فشيئاً ويتكلل ذلك بانسحاب القوات الأمريكية من العراق تحت وطأة الهجمات التي تستهدف مكان تواجدهم".
وتضطلع القوات الأمريكية بحسب اتفاقية الإطار الاستراتيجي بمهام حماية النظام السياسي في العراق من أي تهديدات قد تهز أركان الدولة.
ولكن واشنطن قطعت الطريق وقلبت الطاولة عبر سلسلة من الإجراءات والتدابير بينها تقوية الدولة عبر حكومة وطنية تمثلت بوصول مصطفى الكاظمي وتفتيت مراكز قوى المليشيات ودفع أسلحتها نحو الانكفاء والتعطيل، بحسب الكاتب.
ولفت الكاتب إلى أن "ما أفرزته انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول المبكرة كان أكبر دليل على "تهالك البنى الشعبية لتلك المليشيات بعد أن دفعت بها إلى هامش القائمة وانتهى بعضها بإفلاس تام".
وكان العراق قد أجرى في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، انتخابات تشريعية قبل موعدها الدستوري المقرر بنحو 8 أشهر، استجابة لمطالب احتجاجية غاضبة اندلعت في خريف 2019، وراح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى.
وسجلت نتائج الانتخابات التشريعية فوزاً كاسحاً للتيار الصدري المناوئ للفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، فضلاً عن صعود قوى وشخصيات مستقلة بلغت وزن أصواتها ما يقرب الأربعين مقعداً، في تطور لافت لم يشهده العراق خلال التجارب الأربع الماضية التي تلت عام 2003.