التهاون مع كورونا.. سلوك يعرض مجتمعك للخطر
التاريخ يشير إلى أن الموجات التالية من الأوبئة تكون أشد ضراوة من الأولى، ولكن تعلمنا أيضا كيف يمكن تفادي شدة هذه الموجات.
وضعت جائحة فيروس كورونا المستجد العالم أمام خيارين، إما الإبقاء على القيود المفروضة بنفس القوة منذ بداية الجائحة للسيطرة على العدوى تماماً، وتحمل التبعات الاقتصادية، التي قد تصل إذا استمر الإغلاق بالمستوى ذاته إلى انهيار اقتصادي ضخم، قد لا تتحمل تبعاته أعتى الاقتصاديات في العالم، أو تلجأ الدول إلى تخفيف القيود رويداً رويداً، لتحقيق ولو حد أدنى من "التوزان الصعب" بين السيطرة على العدوى وعدم تدمير الاقتصاد.
المؤشرات الاقتصادية دفعت أغلب دول العالم إلى الانحياز للخيار الثاني، معولة الآمال على وعي المواطن، والذي يعتبره خبراء، السلاح الأهم في المواجهة.
وقال الخبراء إن نجاح هذا "التوازن الصعب" الذي تسعى له الدول يحتاج إلى تحلي المواطن بالمسئولية، التي تجعله يدرك أنه لا مجال في الوقت الراهن إلى العودة إلى "حياة ما قبل كورونا".
وأكدوا أن عدم التزام المواطن بالإجراءات الوقائية من التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات والتخلص المؤقت من سلوكيات المصافحة والعناق، قد تكلف بلاده موجة ثانية أعتى وأشد من الإصابات بالفيروس، تغرق النظم الصحية الوطنية، ولا تستطيع التعامل معها.
ويقول الدكتور مايك رايان، المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية بمنظمة الصحة العالمية، في تقرير نشره موقع "دويتشه فيله" في 14 مايو/آيار، إن التاريخ يشير إلى أن الموجات التالية من الأوبئة تكون أشد ضراوة من الأولى، ولكن تعلمنا أيضاً من التاريخ كيف يمكن تفادي شدة هذه الموجات.
وظهرت الإنفلونزا الإسبانية في بدايتها عام 1918 أقل شدة من الأعوام التي تلت هذا التاريخ والتي كانت أكثر ضراوة خلالها، لتحصد قرابة 50 مليون شخص، حتى تمَّ القضاء عليها تماماً في عام 1920.
والدرس المهم الذي تعلمه العالم من تلك الجائحة هو أن السيطرة على مثل هذه الأوبئة في المراحل التالية للموجة الأولى يحتاج إلى تضافر الجهود بين المواطن والحكومة.
ووضعت منظمة الصحة العالمية 6 شروط لتخفيف القيود يقع مسؤولية تنفيذ بعضها على الحكومات والبعض الآخر على الأفراد.
ويؤكد الدكتور خالد شحاتة، أستاذ الفيروسات في جامعة أسيوط (جنوبي مصر)، لـ"العين الإخبارية"، أن عدم التزام المواطن بالشروط التي تقع مسؤولية تنفيذها عليه، قد يعيق الحكومة عن تنفيذ الشروط الخاصة بها.
والشروط الخاصة بالحكومة هي أن تكون النظم الصحية الوطنية من الكفاءة بحيث تستطيع العثور على كل حالة إصابة جديدة واختبارها وعزلها ومعالجتها، وتعقب جميع الاتصالات الاجتماعية الأخيرة لكل شخص مصاب، وأن تكون النظم الصحية مستعدة لاستيعاب أي زيادة في عدد حالات الإصابة.
كما يجب أن تقلل الحكومة من مخاطر الإصابة في بؤر تفشي الفيروس مثل المستشفيات، واتخاذ تدابير وقائية في أماكن العمل والمدارس والمواقع الأساسية الأخرى، مثل الابتعاد الجسدي والالتزام بقواعد النظافة.
ويجب أيضاً إدارة مخاطر استقبال حالات جديدة من الخارج، من خلال الكشف عن المسافرين المصابين، وعزل أولئك الذين يصلون من البلدان التي يتفشى فيها "كوفيد-19".
ويقول شحاتة: "ما نلحظه هو أن أغلب الدول اجتهدت في تنفيذ هذه الشروط، وحققت نتائج إيجابية، ولكن ماذا لو التزمت الحكومة، ولم يلتزم الأفراد في تنفيذ الشروط الخاصة بهم مثل الابتعاد عن سلوكيات ما قبل كورونا من المصافحة والعناق وإقامة الولائم العائلية، فعندها يمكن أن تغرق مثل هذه السلوكيات النظام الصحي مهما كانت قوته".
وكل نظام صحي تكون له طاقة لاستقبال عدد حالات الإصابة، ولجأت بعض الدول إلى إقامة مستشفيات ميدانية وتحويل نزل الشباب والمدن الجامعية لمستشفيات عزل، ولكن يمكن لعدد محدود جداً من المواطنين لا يبدي التزاماً بالإجراءات الوقائية، أن يتسبب في إغراق النظم الصحية بأن تكون عدد حالات الإصابة أكبر من القدرة على الاستيعاب.
ويضيف: "النموذج العملي الذي يلخّص بوضوح هذا الأمر وأشار إليه المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في مؤتمر صحفي أقيم قبل أيام حول حالة سائق الشاحنة الأردني الذي تسبب في خروج بلاده من المربع (صفر) إصابات".
وكان هذا السائق قد جاء إلى بلده الأردن من دولة مجاورة، ولم تكن تظهر عليه أي أعراض إصابة بالفيروس، وأخذت السلطات تعهداً عليه بالتزام الحجر الصحي المنزلي 14 يوماً، لكنه خالف التعليمات وأقام مأدبة إفطار عائلية تسببت في إصابة أكثر من 30 شخصاً، وعزل 4 قرى في محافظة المفرق، و3 مبان في مدينة "إربد" يقطنها أشخاص خالطوا المصابين.