«العين الإخبارية» تكشف سر دراسة «شفرة الذهب النهري» في مصر القديمة
كشفت دراسة جديدة عن سر جيولوجي ظل غامضا لآلاف السنين حول كيفية استخراج القدماء المصريين للذهب من الأنهار والوديان في أرض النوبة.
الدراسة، التي تنشرها دورية"جورنال أوف آركيولوجيكل ساينس" في عدد فبراير / شباط من العام المقبل، وأعدها باحثون من كلية علوم الأرض بجامعة غرب أستراليا، توصلت إلى أن "شوائب مجهرية" داخل بعض قطع الذهب القديمة تحمل المفتاح لفهم الطريقة الحقيقية التي استُخرج بها الذهب في عصر الدولة الحديثة وما قبلها.

لغز طويل الأمد
ولطالما اعتقد الباحثون أن عبارة "الذهب النهري" في برديات مصر القديمة تشير ببساطة إلى الذهب الذي جرفته مياه الوديان ، أي الذهب الناتج عن غسل الرواسب، لكن الفريق البحثي كشف أن مصطلح "الذهب النهري" لم يكن يُستخدم دائمًا بالمعنى العالمي المتعارف عليه.
وبحسب الدراسة التي حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منها، فإن هناك مدرستين متناقضتين في تفسير طريقة التعدين القديمة، الأولى، وهي " التعدين النهري التقليدي "، أي غسل الرمال والحصى لاستخراج حبيبات الذهب الحرة، وهي طريقة معروفة عالميا وتنتج ذهبا يحتوي أحيانا على شوائب من معادن مجموعة البلاتين إذا كانت موجودة في البيئة المحيطة، والصانية هي " التعدين بالكتل الصخرية ":، وهو تفسير فريد يشيع في دراسات مصر والنوبة؛ إذ يرى بعض الباحثين أن العمال كانوا يجمعون قطعا من الكوارتز المكسّر في الوديان، تحتوي على عروق ذهبية صغيرة، ثم يسحقونها ويغسلونها لاستخراج الذهب، وهي عملية لا تنتج عادة أي شوائب من عناصر مجموعة البلاتين.

الشوائب التي غيّرت القصة
واعتمد الباحثون على تحليل دقيق للذهب الموجود في القطع الأثرية النوبية والمصرية من عصر البرونز، وكانت المفاجأة أن كثيرًا من هذه القطع يحتوي على شوائب معدنية من سبائك عناصر مجموعة البلاتين (PGE) مثل الأوزميوم والإيريديوم والروثينيوم ، وهي معادن لا تتواجد في الذهب المستخرج من الكتل الصخرية، بل تظهر فقط عندما يتشكل الذهب عبر غسل الرواسب النهرية.
وهذا يعني، للمرة الأولى بشكل قاطع ، أن جزءًا مهمًا من ذهب مصر القديمة لم يُنتج عبر جمع "قطع الكوارتز الذهبية"، بل عبر التعدين النهري الحقيقي الذي يعتمد على غسل الرواسب الثقيلة في الوديان التي تحمل معها حبيبات الذهب ومعادن مجموعة البلاتين من مصادر أولية بعيدة.
إعادة كتابة تاريخ ذهب النوبة
تشير النتائج إلى أن القدماء المصريين، وربما المجتمعات النوبية المحلية أيضا، كانوا أكثر تنوعا وتطورا في أساليب التعدين مما كان يعتقده الباحثون. كما توضح الدراسة أن استخدام مصطلح واحد وهو " الذهب النهري"، دون تحديد الأسلوب المستخدم قد أدى عبر عقود إلى استنتاجات خاطئة حول أصل الذهب وأماكن استخراجه.
وتؤكد الدراسة أن الدقة في المصطلحات ليست رفاهية لغوية، بل ضرورة علمية، إذ يمكن لكلمة واحدة أن تغير تفسير التاريخ الجيولوجي والاقتصادي لمصر القديمة بالكامل.

خطوة جديدة نحو حل "شفرة الذهب النهري"
خلص الباحثون إلى أن وجود شوائب مجموعة البلاتين في الذهب الأثري يمثل " بصمة جيولوجية" تساعد على تتبع مصدر الذهب، بل والكشف عن طبيعة الصخور والأودية التي حملت المعدن الثمين عبر آلاف السنين.
وبهذه النتائج، تفتح الدراسة الباب أمام إعادة تقييم مواقع التعدين القديمة، خصوصًا في مناطق النوبة بين جنوب مصر وشمال السودان، التي كانت، كما يقول الباحثون، "أكبر خزان للذهب في العالم القديم".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTE5IA== جزيرة ام اند امز