يقول المثل العربي "لا يُصلح العطّار ما أفسده الدهر"، والمشكلة في مجلس الأمن الدولي هي أن العطّار نفسه فسد أيضا.
الدهر، أو مرور 77 عاما على إنشاء مجلس الأمن الدولي، كفل القول إنه لم يعد كافيا لمواكبة ما تغير خلال هذا الزمن.
ولهذا السبب، فإن الحديث عن الحاجة إلى "إصلاح مجلس الأمن الدولي" لا يغيب إلا ليطفو على السطح من جديد، إما لأزمةٍ فشلَ المجلس في حلها، وإما لأن واحدا من الأعضاء الدائمين الخمسة تعسّف في استخدام حق النقض في مواجهة الأغلبية.
السجلات تُظهر أن الولايات المتحدة وروسيا كانتا أكثر من استخدم هذا الحق، حتى أثبتتا أنه "باطل"، بالنظر إلى أن الاستخدام التعسفي جانبَ الحق وتجاوزه وأحبط قيما وأعرافا وقوانين كان يُفترض بالأمم المتحدة أن تكفل رعايتها.
الفكرتان الرئيسيتان اللتان تقفان وراء الدعوات إلى "الإصلاح" تدوران حول تغييرين.
الأول، توسيع عضوية المجلس الدائمة. والثاني، إلغاء حق النقض.
العقدة في التغيير الأول تتمثل في السؤال: مَن هم الأعضاء الجدد الذين يمكن ضمّهم؟ وعلى أي أسس؟
وبطبيعة الحال، فإن دولا مثل اليابان وألمانيا سرعان ما تبرز كأول المرشحين. ولكن المسألة هنا تبدو وكأنها استمرار للخلل الأصلي نفسه.. ذلك أن وجود "سبعة أو ثمانية كبار" يكرر ظاهرة "القوى العظمى" لتستأنف الهيمنة، التي مارسها "الخمسة الكبار".. وما صنع اليابان وألمانيا يمكن أن يصنع غيرهما.
المقترحات الأخرى تشمل إضافة ممثلين عن المنظمات الدولية الكبرى، مثل الاتحاد الأفريقي، أو الاتحاد الأوروبي، أو الجامعة العربية، أو غيرها من الروابط الدولية.
وهي مقترحات سرعان ما تثير تساؤلات حول آليات اختيار الأعضاء المرشحين داخل تلك الاتحادات أو الروابط، وما إذا كانت تمثل أنفسها أم اتحاداتها.. وفي القضايا الحساسة أو المثيرة للانقسامات، مثل الحروب، فمن غير المستبعد أن تتحول إلى عقبة تعرقل قدرة "العضو المنتخب" باسم مجموعة دولية على أن يكون فعالا، إذا ما انقسمت المجموعة التي يمثلها.
أما العقدة في التغيير الثاني، فتتعلق حصرا بأن الخمسة "الكبار" يريدون أن يظلوا "كبارا" بمفردهم، حتى ولو ظهر كبار غيرهم.
الأنانية السياسية لا تختلف عن الأنانية الفردية.. فالخمسة الدائمون لا يريدون التخلي عن امتياز تم تخصيصه لهم قبل ثلاثة أرباع القرن.. وذلك على الرغم من أن هؤلاء الخمسة هم الذين يقودون العالم اليوم إلى حافَة هاوية.. بينما كانوا، عندما تم إنشاء الأمم المتحدة، دعاة سلام وأمن واستقرار.
ولكن إذا ما توفرت صيغة جديدة لا تقطع كل الطرق عليهم ليحفظوا جانبا من امتيازاتهم أو يضمنوها بوسائل أخرى، فإن الطريق إلى الإصلاح يمكن أن يُصبح سالكا.
إحدى أكثر الأفكار جدارة بالاعتبار هي أن تتوسع العضوية الدائمة لتشمل "مجموعة العشرين".. وهو ما سوف يفتح الطريق أمام دول معنية بالأمن والاستقرار والسلام العالمي، بسبب وضعها الاقتصادي، لتكون راعيا للقيم التي عبَّر عنها ميثاق الأمم المتحدة.
ولكي لا تكون هذه العضوية الدائمة احتكارا جامدا، فإن عضوية مجلس الأمن يمكن أن تشمل عشرة أعضاء غير دائمين، تنتخبهم روابطهم أو اتحاداتهم، أو أن يكونوا من بين القوى الاقتصادية التالية بعد العشرين الأوائل.
وهذا ما يمكن أن يسمح لبعضها أن تتحول عضويته المؤقتة إلى دائمة، أو العكس.. الأمر الذي يجعل التنافس على التنمية الاقتصادية والاجتماعية واحدا من الدوافع، التي تحث الدول على البقاء في مكانها المرموق أو أن تسعى إليه.
أغلبية الثلثين، في قضايا النزاعات والحروب، تصبح مطلوبة لاتخاذ القرار لإبطال حرب أو لتبرير خوضها في مواجهة عمل من أعمال العدوان الصريح.. بينما تمر القضايا الأخرى بالأغلبية البسيطة.
ولا شك أن دولا كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، لن تعجز عن أن تكسب الثلثين أو أن تمنع الحصول عليه، في ما يهمها من قضايا ومصالح.. الأمر الذي يعني أن "حق النقض" يظل موجودا نسبيا، إنما بالاستناد إلى دعم أوسع، بدلا من الاستناد إلى موقف فردي.
هناك العديد من القضايا الاستراتيجية، التي لم يعد بوسع الولايات المتحدة أن تتخذ قرارا بشأنها على نحو منفرد، حتى ولو بقيت تلعب دورا قياديا فيها.. وفي هذا ما يشكل اعترافا واقعيا بأن القيادة لم تعد حكرا على طرف واحد، وإنها كلما اتسعت دائرة الشراكة فيها، أصبحت فعالة أكثر.
الحرب في أوكرانيا قد لا تتيح الفرصة لنجاح أي مشروع للإصلاح، لأن الأنانيات بين "الخمسة الكبار" في أعلى مستوياتها.. ولكن هذه الحرب هي نفسها جعلت الإصلاح خيارا لا مفر منه، ليس لأن الدهر جلب ما جلب من التغيرات، بل لأن العطّار نفسه لم يعد قادرا على الاستمرار فيما كان يفعل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة