مع قرب الحرب الروسية-الأوكرانية من إتمام عامها الأول، لا تزال شغل العالم الشاغل، وما كان يعتقد سيّد الكرملين أنها ترنيمة قصيرة للنصر طالت وصارت سيمفونية مؤلمة للعالم.
واليوم صارت المواجهة أكثر سخونة بين طرفي الصراع، وتسير في اتجاه تصعيد غير مسبوق قد يغيّر مسار كامل الحرب ويجعلها أكثر خطورة على السلم العالمي.
يبدو أن الشتاء لم يعد ذلك الهاجس المقلق بالنسبة لكييف وحلفائها الأوروبيين، كما الربيع المنتظر، الذي اقترن مؤخرا بوعيد تصعيد مؤكد في وتيرة الحرب.. فقد بدأت كل من روسيا وأوكرانيا بحشد قواتهما وعتادهما استعدادا لـ"هجوم الربيع"، الذي تخطط فيه كييف -بدعم نوعي من حلفائها في حلف "الناتو"- لشنّ هجوم مضاد يحقّق "هزيمة كبرى" للجيش الروسي، بينما تريد موسكو شنّ هجوم أخير يحقّق هزيمة ساحقة للقوات الأوكرانية.
في مدينة رامستين الألمانية، عُقد الأسبوع الماضي اجتماع على مستوى وزراء دفاع حلف الناتو وأوكرانيا، استعدادا لما أسموه "هجوم الربيع المقبل"، وبعد جدل وسجال وضغوط، خاصة حول تزويد ألمانيا الجيش الأوكراني بدبابات من طراز "ليوبارد-2"، وافقت كل من أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وبولندا والنروج والسويد وفنلندا على تزويد كييف بما تحتاج إليه من أسلحة نوعية ذات طابع "هجومي"، تمنحها تفوقا فارقا في ساحات القتال وتُمكّنها من هزيمة الروس.
هذه المساعدات العسكرية الموعودة تعتبر غير مسبوقة من حيث الحجم والنوعية، إذْ ستشمل دباباتٍ قتاليةً متقدمة قادرة على شن هجمات كبيرة وتحرير مساحات واسعة من الأراضي، كما ستتسلم أوكرانيا منظومات دفاع حديثة مضادة للطائرات والصواريخ البالستية، الأمر الذي سيساعدها في التصدي بفعالية للهجمات الصاروخية الروسية ضد البنية التحتية والمنشآت الاستراتيجية الأوكرانية.
في المقابل، بمجرد إعلان "الناتو" إمداد أوكرانيا بسلاحه المتقدم من دبابات ومدرعات وصواريخ طويلة المدى، قد تصل إلى العمق الروسي، انتفضت موسكو وعاد مسؤولوها لتكرار تهديداتهم باستخدام الترسانة النووية الروسية، حيث هدد رئيس مجلس الدوما، فياتشيسلاف فولودين، بردٍّ بـ"أسلحة أقوى" حال زوّد الغرب أوكرانيا بهذه الأسلحة.
وكتب فولودين عبر "تليجرام": "تزويد نظام كييف بأسلحة هجومية سيؤدي إلى كارثة عالمية. وإذا سلَّمت دول الناتو الأسلحة التي ستُستخدم لشن ضربات على المدن ومحاولة الاستيلاء على أراضينا سيؤدي ذلك إلى رد باستخدام أسلحة أقوى".
روسيا تدرك أنها ستواجه وضعا جديدا تعتبره نقطة تحوّل مصيرية في الحرب، لذلك بدأت الأوساط الروسية تتحدث بجديّة عن خيار استخدام السلاح النووي في ضربات تكتيكية داخل أوكرانيا، وقد تتجاوز ذلك.
قد يكون كل هذا التصعيد مجرّد مناورة أخيرة لتحقيق تقدم عسكري في الحرب قبل الجلوس إلى طاولة مفاوضات لوقف إطلاق النار وبحث تسوية سياسية، ولكن يبدو هذا الاحتمال أضعف مع هذا الحشد العسكري وطموحات الطرفين العسكرية من خلال "هجوم الربيع" الموعود.
ويبقى السيناريو الأكثر خطورة وتهديدا للسلم العالمي، وهو تحوُّل الحرب بالوكالة بين روسيا و"الناتو" بقيادة الولايات المتحدة إلى حرب مباشرة بين الطرفين بكل ما تعنيه هذه المعادلة.
كل المفاجآت واردة في هذه الحرب التي غيّرت ملامح العالم ولا تزال تعد بالمزيد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة