مع طفرة التطور في مجال الذكاء الاصطناعي يتزايد الخوف من أن يحل محل الإنسان في كثير من الوظائف، وتظل البشرية تهاب أي تطور في بدايته وتتوجس خيفة أن يهدد مستقبلها.
في حقيقة الأمر يخشى الإنسان دائما فكرة التطور التكنولوجي.
ومع بداية عصر الثورة الصناعية عام 1750 كان كثير من العمال والموظفين ينتابهم القلق من أن تُستبدل بهم الآلات، ولكن حدث العكس واستحدثت الثورة الصناعية الكثير من الوظائف وزادت رؤوس الأموال، وتوسعت المشاريع والاستثمارات.
وبالتالي، زاد الإنتاج والاستهلاك، وطبقا لبعض الدراسات والإحصائيات في هذه الحقبة ازداد متوسط دخل الفرد بمعدل 10 أضعاف، وازداد عدد سكان العالم بمقدار 6 أضعاف، وشهد العالم انتعاش كثير من المجالات الصناعية والزراعية والتعليمية والاجتماعية.
من بعد ذلك، جاء دخول شبكة الإنترنت عام 1991 لتكون تطورا جديدا يُحدث جلبة في أوساط الصناعة والاستثمار والتقنية، وتردد أن أجهزة الحاسوب والإنترنت تهدد الإنسان ووظائفه ومستقبله.
ولكن أيضا حدث العكس، واستحدث ظهور تكنولوجيا الإنترنت الكثير من الوظائف، خصوصا مع ظهور منصات التواصل الاجتماعي، فصار لدينا كتّاب وصُنّاع محتوى لهذه المنصات ومسؤولون للتسويق الإلكتروني، واختصاصيون في تحسين محركات البحث ومصممو فيديوهات وصور وألعاب، وغيرها من الوظائف التي استَجَدَّت مع ظهور هذه الطفرة التكنولوجية.
ويتكرر هذا الخوف مع ظهور برنامج الذكاء الصناعي "Chat GPT"، وهو روبوت يجيب عن أسئلة المستخدمين بطريقة تُحاكي طريقة الإنسان، ويكتب المقالات ويمكنه كتابة بعض أكواد البرمجة ويدعم عدة لغات، من بينها العربية، ومتاح استخدامه فقط في عدة دول حتى الآن.
وقد تكاثرت الأقاويل في أسواق العمل حول هذا البرنامج الجديد ومدى إمكانية أن يحل محل الصحفيين ومهندسي البرمجة وكُتاب المحتوى ومصممي الجرافيك، وغيرهم من أصحاب المهن التي تعتمد على الكتابة والتصميم.
ولكن لا يدرك هؤلاء الأشخاص أن هذا البرنامج -وما سينتج عنه من متغيرات في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي-يمكن أن يكون أداة تساعد أمثال هؤلاء على تسهيل عملهم، ويمكن أيضا أن يخلق فرص عمل جديدة في المستقبل، ما يُحدث طفرة جديدة تغير مجرى الوظائف، كما حدث سابقا.
وهكذا يظل الإنسان يهاب كل ما هو جديد عما اعتاد في حياته، ويأبى النظر للماضي، إذ كان يهلع مع كل تطور تكنولوجي وصناعي يعتقد أنه سيأخذ مكانه، ولكن لا يحدث، لأنه لا غنى عن العنصر البشري، ولو تطورت الآلة ووصلت إلى حد العقل البشري، فستظل آلة من صنع الإنسان يعتريها قصور وأعطال، وتحتاج من صُنّاعها إلى تحديثها وتطويرها باستمرار.
ولكن ما يجب أن يتعلمه إنسان الحاضر من إنسان الماضي أن عليه مجاراة كل التحديثات التكنولوجية والصناعية ومعرفة اتجاه بوصلة سوق العمل والتكيف المستمر مع مستجدات أوضاعه ليكون جاهزا للالتحاق بركب الوظائف الجديدة، التي ستوفرها أبواب التكنولوجيا المتقدمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة