مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الصراع الروسي-الأوكراني، يبدو أن الأمور تتجه نحو حافة الهاوية.
فتناقض مواقف الأطراف المتصارعة يبقى سيد الموقف، ولا مبادرة حقيقية تشي بقرب حل سياسي للأزمة، في ظل إصرار الغرب على تسليح أوكرانيا حتى النهاية، وتمسُّك روسيا بثوابت حربها، وإصرارها على عدم التراجع عن قرار الأراضي التي ضمّتها، في وقت تُصرّ أوكرانيا على أنه لا حل دون استعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا.
مؤشرات التصعيد باتت واضحة، من قمم حلف شمال الأطلسي "الناتو"، والقمم الأوروبية الثنائية والجماعية، والقمم الأمريكية-الأوروبية، وإعلان واشنطن الاستعداد الدائم والضغط على حلفائها من أجل إمداد أوكرانيا بأسلحة نوعية متطورة، من صواريخ ودبابات وطائرات.
وهكذا تدريجيا يتحول الصراع الروسي-الأوكراني من حرب بالوكالة إلى صراع وجود بين روسيا والأطلسي، إذ يتطلع الغرب إلى هزيمة روسية في أوكرانيا، فيما يخبرنا التاريخ بأن روسيا قادرة على الصمود في حروب طويلة وتحقيق انتصارات في لحظة تبدو فيها هادئة، فما بالك وهي دولة نووية مدججة بمختلف أنواع الأسلحة، وتقول إن عقيدتها العسكرية النووية لا تمنع من اللجوء إلى هذا السلاح لعدم خسارتها أي حرب، أو تهديد وجودها القومي، كما يقول المسؤولون الروس مرارا وتَكرارا.
مؤشرات خطر اقتراب الصراع الروسي-الأوكراني من حافة الهاوية بدت واضحة، من أول محاولات نقل المعركة إلى الأراضي الروسية عبر دعم أوكرانيا بأسلحة نوعية، وحديث كييف عن عزمها استعادة شبه جزيرة القرم، التي ضمّتها روسيا عام 2014، ما يُقابَل بتهديد روسي بشن هجمات غير مسبوقة ضد أوكرانيا، مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الصراع بينهما، وإجراء موسكو -للمرة الأولى- تدريباتٍ على صد هجمات قد تستهدف المدن والمنشآت الروسية، والكشف عن أسلحة جديدة قادرة على إحداث ما يشبه "تسونامي" في دول حلف شمال الأطلسي، لا سيما بعد الكشف عن طوربيد "بيدسيدون"، القادر على "إغراق بريطانيا في البحر"، كما تتحدث تقارير إعلامية.
ومع وصول الصراع إلى هذه اللحظة الحرجة والخطرة، ثمة تساؤلات كثيرة تُطرح، منها:
هل فعلا يريد الغرب هدم كل الجسور مع روسيا؟ ولماذا يتجاهل كل التهديدات الروسية المسبقة بحرب نووية إذا تطور الصراع؟ ولماذا لا يطرح حتى الآن أي مبادرة لتسوية ممكنة أو مقبولة لحل الصراع سياسيا؟
إذا كان الجواب عن التساؤلات السابقة يشي باستراتيجية التصعيد من خلال مواصلة دعم أوكرانيا لتمكينها من مواجهة الجيش الروسي، فهل الغرب مستعد للذهاب حتى النهاية وصولا إلى الدخول في صراع مباشر مع روسيا؟
وهل الغرب مستعد لتحمل عواقب وتداعيات مثل هذا التدخل؟
وهل فعلا لا يخشى الغرب من حرب نووية قد تندلع في لحظة حرجة؟
إن ما يجري يوحي بتوسيع نطاق المواجهة، واحتمال انتقال الهجمات إلى الأراضي الروسية، وهو ما سيؤسس لمواجهة طويلة مدمرة قد توقف التوريدات العالمية تماما، بما يضع العالم على حافة الهاوية، وسيكون ذلك بمثابة نقطة تحول في التاريخ، كما قال المستشار الألماني، أولاف شولتز، في وقت سابق.
المشكلة كل المشكلة في تبسيط حجم الصراع الجاري ومحاولة اختصاره بالسلاح، إذ لا ينفك الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عن قول إن كل ما نحتاج إليه هو "السلاح ثم السلاح"، فيما لا يخفي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن محاربة أوكرانيا تتجاوز منعها من الانضمام لعضوية حلف الأطلسي إلى ترميم الاتحاد السوفييتي السابق بصورة أقرب إلى القيصرية الروسية، وبين هذا وذاك لا يتوقف الغرب عن تكبير أجنحة الأطلسي عبر ضم دول جديدة إلى عضويته، كما يجري الآن بشأن السويد وفنلندا، وربما غدا دول أخرى.
في الواقع، ما يجري اليوم من تصعيد بين روسيا والأطلسي في أوكرانيا، يذكّر العالم بما عُرف بأزمة الصواريخ السوفييتية في كوبا عام 1962، تلك الأزمة، التي كادت تُشعل حربا عالمية ثالثة، لولا التسوية التي حصلت بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، عندما اتفقا على وقف السوفييت نشر صواريخهم في قواعد عسكرية بكوبا، مقابل عدم غزو أمريكا للأخيرة، والتخلص سرا من الصواريخ التي نشرتها في بريطانيا وإيطاليا... تسوية بالتأكيد ليست غائبة عن أذهان القادة في موسكو وواشنطن وبروكسل، لكن مع عدم وجود مؤشرات توحي بإمكانية الوصول إليها حتى الآن في الأزمة الأوكرانية، فقد تصل هذه الأزمة إلى نقطة اللا عودة في حسابات دول كبرى، خاصة إذا كانت هذه الدول تبحث عن استراتيجيات جديدة لتغيير وجه العالم عبر الحرب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة