اليوم يمكن القول إننا بدأنا نخطو نحو التنفيذ، والهيئة المشرفة المؤلفة من ستة اعضاء بينهم على الاقل ثلاثة يمكن تصنيفهم خبراء..
يمر لبنان منذ سنوات في مرحلة بالغة الخطورة تتمثل في ادراك المخاطر التي تتآكل حياتنا وآمالنا من غير ان نجد لدى الهيئة التشريعية (مجلس النواب) والهيئة التنفيذية (رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء) استعداداً لدرئها واطلاق مبادرات مفيدة، على صعيد خفض تكاليف الطاقة والانتاج، تنقية المياه، استعادة نضارة الطبيعة، ترسيخ استعمالات الادمغة الالكترونية لانجاز معاملات المواطنين، وابتكار وسائل السير والنقل النظيفة. وكم هو محزن مشاهدة القاطرات الكهربائية التي جهزت في اديس ابابا للاسهام في معالجة اختناقات السير ونحن غائبون عن اية محاولات والسير يختنق وصحة المواطنين تتعرض للخطر يومياً.
بعد انقضاء ثلاث سنوات على صياغة المراسيم التي تسمح باجراء مناقصات تلزيم البحث والتنقيب عن النفط والغاز، والشروط التقنية والمالية للانتاج، وبعد الدوران في حلقات غير منطقية ومتسببة بتأخير العمليات التي يرجح ان تكون ناجحة لان تقديرات كميات النفط والغاز المتوافرة في مياه شواطئ المتوسط قبالة مصر واسرائيل ولبنان وسوريا وقبرص وامتداداً الى جنوب تركيا حظيت بدراسات جيولوجية من السلطات الاميركية التي وفرت الارقام التقديرية لثروات الغاز والنفط منذ عام 2010، وقدرت أن المياه الاقليمية اللبنانية تحتوي على 28-30 في المئة من الثروة الغازية والنفطية، ومن ثم انجز دراسات للاعماق مسؤولون من نروج البلد الذي اكتشف ثروته النفطية خبير عراقي شارك في الابحاث الجيولوجية المتعلقة بلبنان، كما كلفت شركة بريطانية انجاز مسوحات متطورة.
المؤشرات جميعها كانت ايجابية وحددت 10 مناطق في المياه الاقليمية يمكن البحث في تخصيصها بشركات تتمتع بخبرات التنقيب وتشغيل المنصات ومن ثم تسويق المنتجات. واذا بالمواقف السياسية التي عمدت الى تأخير انجاز أي اتفاقات تطغى على الابحاث والمؤتمرات التي عقد منها الكثير الكثير، والجامعة اليسوعية بمساعدة هيئة الاشراف النفطية وضعت برنامجاً لتدريس جوانب صناعة النفط، سواء على المستوى القانوني، أو التقني، أو التجاري، وسارع كثيرون الى صياغة شروط انشاء صندوق سيادي تخصص له واردات صناعة الغاز والنفط المرتقبة. كذلك كان هنالك اختلاف على عدد المناطق التي يفسح في المجال للتعاقد في شأنها وكان هنالك توجه الى فتح مجال استثمار المناطق العشر دفعة واحدة، واجهه موقف بأفضلية الافساح في التعاقد على منطقتين، واذا كانت النتائج جيدة يمكن تحسين شروط العقود المستقبلية للمناطق التي لا تشملها عقود المرحلة الاولى.
أقر مجلس الوزراء المراسيم التي تمكن هيئة الاشراف من مباحثة الشركات المهتمة، ومن ثم دعوة الشركات التي يتم اختيارها استنادًا الى مزاياها لتقديم عروض البحث والتنقيب ومن ثم الانتاج، والشروط المتعلقة بإنجاز العقود وما يتأتى عنها في كل مرحلة...ومن أهم ما يمكننا توقعه ان يؤدي انجاز عقود تسمح بالبدء بممارسة أعمال التنقيب وتركيز منصات التنقيب العائمة الى توافر فرص عمل بالألاف سواء للفنيين، أو العمال العاديين، أو فرق مكافحة الحرائق، وشركات تزويد المنصات المأكولات، والخدمات الطبية عندما يقتضي الامر. ويفترض تخصيص خمس مناطق.
نتائج التحرك العملي لن تتجلى في حجمها المتكامل قبل انقضاء سنة من تاريخ تصنيف الشركات، وسبعة أشهر على الاقل قبل ممارسة بدء الاعمال، ومع اننا تأخرنا كثيراً في التوجه جدياً نحو الاعمال المطلوبة، وسبقتنا في هذا المضمار اسرائيل، التي تغطي 60 في المئة من حاجاتها لانتاج الكهرباء من الغاز المتوافر من حقل تامار القريب من الحدود البحرية اللبنانية، وقبرص حيث هنالك حقل مكتشف يكفي حاجات الجزيرة لعقود، وقد لزمت حديثاً ثلاث مناطق لإنجاز أعمال استكشاف ذكرناها الاسبوع المنصرم، ومصر التي حققت اكتشافًا كبيرًا للغاز في ايلول 2015 وتبعه آخر بعد بضعة اشهر، ونحن كنا لا نزال في غرفة الانتظار والمماحكة.
اليوم يمكن القول إننا بدأنا نخطو نحو التنفيذ، والهيئة المشرفة المؤلفة من ستة اعضاء بينهم على الاقل ثلاثة يمكن تصنيفهم خبراء واحدهم الذي رأس الهيئة في السنة الأولى بعد تأليفها يتمتع بطاقات علمية وخبرات عملية لا تتوافر لاكثر من اثنين في المئة من العاملين في حقل انتاج النفط والغاز عالمياً. ويضاف الى الهيئة الوزير الجديد الذي التقيته في ندوة حوارية قبل سنتين وأدركت ان معارفه واسعة وشخصيته تبعث على الاطمئنان. فعسى ان نرى التقدم سريعاً على مستوى انجاز اختيار الاطراف المناسبين واتمام الاتفاقات معهم، وتبقى هنالك حاجة الى انجازات في مجال توفير منتجات ومشتقات النفط والغاز واستعمالاتها علينا ان نعمل للاستفادة منها.
هنالك مصفاتان متوقفتان عن العمل في طرابلس والزهراني منذ سنوات. وهذه المنشئات تستعمل لتوزيع حمولات بعض ناقلات المشتقات، التي تحفظ في خزانات وتوزع بعد ذلك على الشركات التي لديها محطات ووسائل التوزيع المناسبة. وهنالك عدد كبير من الموظفين في طرابلس والزهراني وتعويضات هؤلاء ضخمة لانهم يتمتعون بشروط مميزة للتقاعد، ومنافع طبية وتعليمية الخ، ولا شك في ان توسيع المصفاتين أمر مفيد للبنان ويمكن تحقيقه خلال سنتين على الاكثر، فنستطيع حينئذٍ كفاية حاجاتنا من المشتقات بتكاليف أقل من تكاليف الاستيراد التي تشمل تكاليف التكرير في الخارج، وكانت هنالك عروض من شركات لبنانية قائمة تعمل في الخارج في مجال التكرير لتوسيع منشئات المصفاتين.
على صعيد أهم بكثير، وقد كررنا ذلك أكثر من مرة، علينا انجاز محطة أو محطتين لاستقبال الغاز المسيل وتحويله الى غاز طبيعي لتوفير طاقة نظيفة واقتصادية لمعملي الكهرباء القائمين في البداوي والزهراني. كما يمكننا انشاء محطة تشغيل على الغاز بطاقة 1000 ميغاوات تنجز خلال سنتين وتؤمن القسم الاكبر من الحاجات المتزايدة، وتبلغ كلفة محطة كهذه مليار دولار، ونحن لا نزال ندعم عجز كهرباء لبنان، حتى بعد هبوط أسعار النفط بأكثر من مليار دولار سنوياً. أما محطات استقبال الغاز المسيل فمن الممكن انجازها من المصدرين الذين نتعاقد معهم، وقد يكونون اميركيين، أو قطريين الخ.
يجب ان ندرك ان عملية استيراد الغاز يمكن ان تجري لخمس الى ست سنوات قبل توافر الغاز من مياهنا الاقليمية، وحينئٍذ نحقق وفورات خاصة بعد انشاء محطة كهرباء جديدة بطاقة 1000 ميغاوات ما يساوي على الاقل 1,5 مليار دولار سنوياًً أي تسعة مليارات دولار خلال ست سنوات، وتكون فرص العمل في البحث والتنقيب والمصافي الموسعة ومنشئات الغاز توافرت بالآلاف.
أخيراً كلمة عن الصندوق السيادي. لقد سرى هذا التعبير أو الوصف على الدول النفطية التي كانت أو هي لا تزال تحقق وفورات من مداخيل النفط والغاز، واول صندوق انشأته الكويت وسمي صندوق الاجيال المستقبلية. ما لدينا في لبنان نتيجة سوء الخيارات والتصرف دين عام على مستوى 75 مليار دولار، ولن يحق لنا اختزان أموال النفط والغاز ما دام الدين قائماً ومتزايداً ويحتاج الى خدمة قد تتصاعد في حال ارتفاع معدلات الفوائد. فلنعمل على تحقيق وفورات توسيع المصفاتين وزيادة انتاج الكهرباء بالاعتماد على الغاز المسيل ونستعمل الحصيلة في تغطية فوائد الدين وربما خفضه تدريجاً. لقد ظلمنا الاجيال الطالعة ما يكفي ويزيد.
نقلاً عن صحيفة النهار
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة