السؤال هو كم سوف يتسلل من عام 2016 إلى هذا العام وما يليه؟
حاول أحد المؤرخين ان يقارن بين عام 1917 وعام 1979 من القرن الماضي، وانتهى الى انهما عامان فاصلان، ففى عام1917 كانت الحرب العالمية الاولى تضع اوزارها بما انتهت اليه من غنائم وخسائر، حيث تفككت امبراطورية مترامية الأطراف، ووقعت مجازر أدرجت فى خانة الإبادة، وصدر فى ذلك العام وعد بلفور الذى اقترن تاريخيا بإنشاء الدولة العبرية على حساب عرب فلسطين، اما العام 1979 فقد شهد احداثا منها ما ترتب عليه حرب دامت ثمانية اعوام وهو الثورة الايرانية وما صاحبها من اطروحات التصدير، وكذلك اول معاهدة سلام فى تاريخ الصراع العربى الصهيونى وهى معاهدة كامب ديفيد، لكن عام 1917 يبقى بالنسبة للعرب علامة فارقة خلال قرن، فقد اندلعت بعده بعامين ثورة 1919 فى مصر ضد الاحتلال الانجليزى وثورة العشرين العراقية للسبب ذاته كان عرب عام 1917 قد خرجوا للتو من معطف سايكس وعباءة بيكو، وانتهت تضاريسهم السياسية الى أقطار ، لكن ما حدث بعد قرن حول معاهدة سايكس بيكو الى مطلب قومي، لأنها على الاقل تبقى كل بلد عربى موحدا ولا ينشطر الى خطوط طول وعرض طائفية وجهوية، هكذا كانت المفارقة، بحيث يطالب بسايكس بيكو من تظاهروا ضدها ودبجوا الأناشيد فى هجائها، لهذا تندر احد الظرفاء قائلا ان العرب لم يتقدموا خلال قرن كامل إلا فى اعمارهم، اما احلامهم فقد تحولت الى كوابيس !
واذا كان العرافون وقارئات الابراج والطوالع قد تولوا عبر مختلف الشاشات سرد النبوءات عن العام الذى لا يزال فى اسبوعه الاول، فإن ذلك تقليد او عرف لا ينوب او يغنى بأية حال عن الاستشراف العلمى لما ينتظرنا فى هذا العام، ودّع العرب عام 2016 وهو مثقل بذكرى مئويات ثلاث على الاقل وكان الوداع مشوبا بالكثير من الشجن، تفجير الكنيسة البطرسية فى مصر وسقوط عشرات الابرياء ممن باغتهم المؤدلجون المدججون بالكراهية وثقافة الموت، واحداث اخرى تزامنت مع ذلك التفجير او اعقبته بأيام او ساعات فى العديد من عواصم العالم شرقا وغربا .
وستبدو اية توقعات بأن الستار سوف يسدل على أقسى ما عرف التاريخ من توحش وسادية فى العام المقبل اقرب الى التداعيات او المونولوج الذى يستدعيه الانسان ليناجى نفسه فى المواقف الحرجة، عام 2017 لن يختفى فيه الاله اندره كما جاء فى الاسطورة الاغريقية فى ساق زهرة اللوتس هربا من الشيطان فالارهاب شيطان من طراز آخرقد لا يكون مرئيا او مسموعا لكنه يفرز رائحة كريهة تسبقه الى مواقع الجريمة، وهذه الرائحة هى ما يبثه عبر الانترنت من وعيد وتهديد او ما يتبناه ويضع تحته توقيعه الأحمر الدموي، وأسوأ ما ألحقه الارهاب على اختلاف اسمائه ومصادره ومستنقعاته بالعالم العربى ليس فقط الخسائر فى الارواح والممتلكات والاثار، انه ايضا فى فرض اولوية الحرب عليه بحيث تؤجل مشاريع وبرامج تنموية كانت ستأخذ مداها فى غياب اشباحه . ولو شئنا الخروج من التعميم فإن هناك ازمات قد تصبح وشيكة الانفراج، منها الازمة السورية التى انفجرت وكان الهدف منها التقسيم وزوال الدولة، كما ان ما تعانيه مصر من أزمات معظمها تم تصنيعه فى مختبرات المخابرات كعقاب لها على بقاء الدولة على قيد التاريخ .
والسؤال هو كم سوف يتسلل من عام 2016 إلى هذا العام وما يليه؟
بالطبع لن يكون عناق عقربى الساعة فى منتصف ليل الأحد الماضى فاصلا جذريا، فالظلال والاصداء تبقى وقد تتمدد ايضا خصوصا اذا استمرت اسبابها، لكن ما ينبغى الالحاح عليه دون كلل هو ان نجاة ما تبقى من هذا العالم العربى سوف تتيح لنا جميعا الفرصة لإبطال العجب بكشف السبب، فثمة حراكات سياسية ووطنية تعرضت للاختطاف او الامتطاء، ولا يمكن تصويب البوصلة بدون الكشف عن كل العوامل التى ساهمت فى حذف الفاصلة أو الشعرة، بين الثورة والفوضى، خصوصا بالمعنى المدمر لا الخلاق الذى اقترحه منظّرو الشرق الأوسط الكبير فى مساحته وتعداده الديموغرافى لكن الصغير جدا فى مكانته وهوياته .
وهناك عوامل خارجية منها ما هو دولى واقليمى سوف تلعب دورا فى إحداث بعض المتغيرات فى عالمنا العربى منها ما يتوقعه المراقبون من رئيس امريكى جديد يحمل أطروحات صادمة إضافة الى تصاعد التوتر المشوب بالحذر بين قطبين كان احدهما لبعض الوقت مصابا بنوبة سبات وهو روسيا .
وسوف تنعكس المتغيرات المتوقعة على العالم العربى وعلى المعادلة الإقليمية، وهذا ليس من قبيل النوستالجيا لأدبيات الحرب الباردة وقاموس مصطلحاتها، رغم ان موسكو اصبحت فاعلا دوليا وإقليميا، ولها خطابها النديّ الذى تدفع ثمنه من خلال عقوبات متعاقبة !
ما أستطيع الجزم به رغم ندرة الحالات التى نعيشها وتحتمل مثل هذا اليقين هو ان تدارك ما تبقى من وجود عربى بمختلف تجلياته اصبح ممكنا، وخاب الرهان على تحويله الى رجل مريض مسجى وقد كثرت السكاكين من حوله . ذلك ببساطة لأن من جربوا الفوضى المدمرة لا الخلاقة تلقحوا ضد تكرارها بأمصال من دمهم ودموعهم وعرقهم وما أسقطته الحواسيب سهوا او تعمدا من ثرواتهم ومتاحفهم ومعابدهم !
والبلفورات الجدد الذين خططوا لتحويل العالم العربى إلى غنائم واسلاب لن يحتفلوا بمئوية يكون شعارها الوطن العربى المحتل!
نقلاً عن صحيفة الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة