وأنا طفل كانت أفلام الرعب تضحكني. دراكولا وهو يشرب عصير الفراولة دون شاليموه من عنق حبيبته وضحيته
وأنا طفل كانت أفلام الرعب تضحكني. دراكولا وهو يشرب عصير الفراولة دون شاليموه من عنق حبيبته وضحيته، التى يجعل منها بفعل العدوى مصاصة دماء بطعم الفراولة. وفرانكشتاين، المسخ ذو الوجه المسلطح والرأس المفلطح، الذى يأتمر بأمر صانعه العالم الشرير المجنون، فيقتل باسمه ويدمر، ثم يستدير إليه فى النهاية فيقتله لكثرة أوامره وطلباته التى لا تنتهي، ولأنه لا يأمره بأسلوب لطيف مهذب. ثم الرجل الذئب، الذى يكون فى بداية الفيلم رجلاً عادياً ربنا هاديه وملامحه تشبه أى واحد من خلق الله الآدميين. وفجأة، عند اكتمال القمر البدر، يغزر شعر رأسه وسوالفه وحواجبه، وتطول أنيابه وأظافره ويصبح شريراً فوق العادة، ذئباً بشرياً، مكتملاً هو الآخر كسيده قمر 14.. إلى آخر سكان مملكة الرعب السينمائية فى الستينيات، حين كنت طفلاً ضاحكاً يتفرج على أفلام الرعب باستهانة وسخرية، واستمتاع من يتعرض لدغدغة لا تقاوَم.
أما الآن، فقد انقلب الحال: صرت، أنا الرجل الوقور المحترم ذو الشارب واللحية، والشخطة التى تخض الأبناء خضاً، وتوقف كل عيل أو مُستعيل عند حده، صرتُ أحّول القناة فوراً بجهاز التحكم عن بعد حين أستريب من موسيقى الفيلم، أو من منظر اللقطة الخارجية التى تظهر بيتاً قوطيّ الطراز، أو لقطة داخلية يتمشى فيها رجل أو امرأة فى ردهة طويلة يطل عليها أبواب وغرف مغلقة، ثم نسمع فجأة تزييق باب يُفتح ببطء.. أو ضحكة مجنونة بعض الشيء، وغير هذا من أمارات أفلام الرعب، التى تطورت كثيراً والحق يقال. فقد أسهم التطور التكنولوجى والإعجاز العلميّ فى جعل وجوه الأشرار مرعبة حقاً، إلى درجة أنها تجعلنى - وأنا الرجل الكبير الطويل العريض ذو الصوت الأجش - أحس بتنميل فى رأسى وجسدى كله حين يظهر لى فجأة واحد من تلك الوجوه التى تتضاءل أمام بشاعة سحنتها أمنا الغولة بجلالة قدرها، وإذا كانت هناك مرآة حائط بجوار التليفزيون، أراهن أنى كنت سأرى ما تبقى من شعر رأسى واقفاً كشوك القنفذ.
وهنا أتساءل: هل تطورت أفلام الرعب فصارت حقاً مرعبة، أم أن جهازى العصبى هو الذى استُهلك بفعل التقادم وطول الاستخدام ، وكل المصائب والنكبات الشخصية والوطنية والقومية والعالمية التى تعرضت لها وعايشتها؛ أفلام الرعب التسجيلية التى كل مشهد فيها حقيقة، نشاهدها على الهواء، مصورة بالأقمار الصناعية: القتل اليومي، والمذابح التى كانت موسمية، تحدث كل عدة سنوات فشهور، حتى صارت الآن أسبوعية، بل يومية: الأطفال المنهوشون بالنابالم والأسلحة الكيماوية، المدفونون تحت ركام المدن، ومراكب الغرق العادى البديهيّ، التى تحمل من أحلام السعادة وتواريخ التعاسة فوق قدرتها على التحمل, فتهبط بالحلم والحالمين إلى القاع، وتحصل على براءة اختراع نوع جديد من الانتحار الجماعيّ الممزوج بأمل اليائسين المتهور. الجوع والظلم وسرطان الأطفال, والتلف القومى للأكباد والكُليَ..والجنود الذين يموتون فى العشرين.
هل هو العالم والوطن والإقليم؟ هل هى التكنولوجيا والخبث الفني, والخبرة المتراكمة فى فنون إنتاج الفزع, ما وصل بأفلام الرعب إلى قمة الإتقان؟ أم هو الفارق بين نضارة مخ طفل على الزيرو وجهاز عصبيّ تكاد صلاحيته أن تكون منتهية؟
آخر أفلام الرعب كان تسجيلياً وثائقياً للأسف. مع اقتراب عيد الميلاد المجيد، الذى نحتفل به غداً مع إخوتنا وأصدقائنا وأحبابنا المسيحيين المصريين، حدث ما حدث فى الكنيسة البطرسية، ولكن المحبة فى قلوبنا لم تتأثر. وإذا كان الشر قد أحدث طفرة وفاز ببعض تراكم الخبرة, فالمودة بيننا تراث عميق وعريض وبحرٌ خِضَمّ. فاهنأوا يا أحبابى بعيد الميلاد المجيد، وكل عام ونحن معاً بخير. وليشهد عام 2017 سيناريو آخر، ينتصر فيه الحب، ويفرح فيه الأحباب بالنهاية السعيدة، لسيناريو قائم على قصة نجاح حقيقية، حدثت فعلاً فى الواقع.
إنها أمنية للعام الجديد, ولكى تحدث لابد أن نصرّ ونستميت فى سبيل أن تحدث، ونأخذ بأسباب النجاح، التى أساسها العلم والدولة المدنية، وأن يكون الدين لله والوطن لنا جميعاً، نتقاسم فيه الحقوق والواجبات بالعدل، ويتوقف إنتاج أفلام الرعب!
* نقلاً عن " الأهرام "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة